جريدة الأسبوع | في أول انتخابات رئاسية حقيقية: مصريون تحدوا المرض والإعاقة والموت وأصروا علي الإدلاء بأصواتهم | نفيسة عبد الفتاح
من لجنة مدرسة عزيز اباظة بأرض الجولف بمصر الجديدة الى لجنة مدرسة الفرنوانى وسط المساكن الشعبية بشارع الجوازات بشبرا الخيمة..ربما الفارق الطبقى بين المنطقتين أكثراتساعا من المسافة الفاصلة بين اللجنتين، لكن مصر التى فى القلب لم تختلف عند من يبدو عليهم الشقاء والمجاهدة وبين من تبدو عليهم الأرستقراطية والنعمة،قد تكون النتائج صادمة،قد يكون وجع البعض كبيرا،لكن الحالة كانت استثنائية دون شك،أيا كان ماحدث،فقد خرجت مصر،وشاركت قلوب مخلصة،أجساد هزيلة ربما تطلب من يحملها عن الأرض،ظهور محنية،مرضى ومقعدون وأصحاء ملآتهم الفتوة والحماسة،عجائز وصغار،كل خرج يحمل حلما أو أملا أو قرارا، لم تكن الرؤى متطابقة..داخل البيت الواحد تعددت الاختيارات وتفرقت وجهات النظر..لكن الكل أراد أن يكتب اسمه فى سجل المصوتين ..أن يسجل أنه شارك فى اللحظة وفى صناعة التاريخ،كثيرون انهمرت دموعهم على أبواب اللجان عندما اكتشفوا أنهم لن يصوتوا فى أول انتخابات رئاسية وأن القاضى يرفض التساهل مع من يحملون محاضر الشرطة التى تثبت ابلاغهم عن فقد بطاقاتهم الشخصية مع وجود جواز السفر الجديد "المميكن" الذى يحتوى على الرقم القومى،وكثيرون وقفوا ساعات طويلة انتظارا لدورهم فى التصويت،البعض سافر مثات الكيلومترات ليدلى بصوته فى قريته البعيدة،طول المسافات والطوابير والألم لم يكن أى منها عائقا..كانوا تواقين إلى إثبات الوجود.. يتحلون بالثقة بأن لهم القدرة على التأثير..يحركهم الحلم بالتغيير.. أمام لجنة السيدات بمدرسة عزيز اباظة بأرض الجولف بمصر الجديدة ، فى اول أيام الانتخابات الرئاسية،وقف رجل على مشارف الستين يدعونى لإقناع زوجته المريضة التى على وشدك فقدان الوعى بسبب انخفاض السكر بأن تغادر الطابور الذى تقف فيه منذ ساعات طويلة وترفض المغادرة قبل ان تدلى بصوتها،ابتسم لى ــ وأتمنى أن يكون قد نفذ اقتراحى ــ بعد أن أجبته:هى تصر على أداء واجبها الوطنى وأرجو ان تقوم بواجبك الإنسانى وتحضر لها علبة عصير وباكو بسكويت، كان القضاة قد اوقفوا التصويت لمايقرب من ثلاث ساعات كاملة دون سبب معلوم لمن خارجها،وتناثرت الشائعات وتكدس البشر خارج ابوابها ،آلاف السيدات يرفضن المغادرة، حتى التف الطابور بأسوار المدرسة بكاملها،وتكدس البشر على ابوابها، توقف عمل اللجنة فى الخامسة والنصف تقريبا وحتى الثامنة والثلث،حين بدا التصويت ببطء شديد بعد وصول الشرطة ونائب رئيس الحى أسامة الليثى،واستمر التصويت بعد مد استثنائى، حتى العاشرة،دون ان تتمكن بضعة عشرات إضافية من المقاتلات على التصويت من بلوغ أملهن فى تلك الليلة،وأحسب انهن ذهبن فى اليوم التالى فى إصرار غير مسبوق على الإدلاء بأصواتهن.
هتفت إحداهن بى عندما علمت اننى صحفية:هذه المراة حامل وعندها الغضروف وتقف منذ الظهيرة لتصوت،كان المشهد مدهشا وهن يعلن لى أنهن لن يغادرن اماكنهن قبل التصويت،لا ادرى من أين استطاعت بعض السيدات الحصول على مقاعد أمام اللجنة،لكن المشهد الأكثر طرافة كان عندما اكتشفت محال الطعام المحيطة باللجنة أن الانتظار طال لساعات فبدأت ترسل مندوبيها بقوائم الطعام للمرور على الواقفات الصبورات،أجرى حوارتى معهن،قناعاتهم ان هناك من يريد أن يمنعهن من التصويت،ومادام سبب وقف اللجنة مجهولا، فكل التكهنات تصبح مطروحة،لكن اجاباتهن كانت واحدة،لن نغادر،سندلى بأصواتنا اليوم مهما فعلوا.
لم يكن المشهد الوحيد المعبر عن روح هذا البلد،هو أن ينزل قاضى من مقر اللجنة 47 بالدور الثانى بمدرسة عبد المنعم بدوي بقرية أبو رجوان القبلي بالبدرشين في محافظة الجيزة،بعد غلق اللجنة؛ لتصوت عجوز شارفت على التسعين من عمرها لا تستطيع صعود السلالم، بل يمكننا أن نجزم بعشرات المرات التى تكرر فيها على مدار يومى الانتخابات مشهد العجوز الذى يتكىء على عصاه ويجلس على الرصيف المواجه للجنته وهو يتنفس بصعوبة بعد ان بذل جهدا خارقا فى الوصول إليها،مقعدون جاءوا على مقاعدهم المتحركة، وحوامل فى شهورهن الأخيرة لا تكاد اقدامهمن تتحمل عناء الوقوف الطويل،ومكفوفون جاءوا مستندين على أذرعة ذويهم.وسيدات تقفن حاملات اطفالهن فى معانا ة قاسية تحت لهيب الشمس،لقد .
المشهد الأكثر إبداعا كان عندما تحدثت معنا سيدة بسيطة من أرض الفرنوانى بشبرا الخيمة..كانت من مؤيدى حمدين صباحى،ترتدى خمارا وبصحبتها ابنتيها المحجبتين..سألتها: لماذا اخترت حمدين صباحى؟،فأكدت انها اختارته لأنه قال إنه مع الغلابة..وأنها فكرت جيدا واكتشفت أنه فقير لا يستطيع ان ينفق على حملته الانتخابية ولهذا فسيشعر بهم،وأضافت:كل ماحد يقولى على مرشح..أقول إن شاء الله..لكن انا واخدة قرارى،سألت إحدى ابنتيها الطالبة الجامعية:لماذا لم تختارى أبو الفتوح مثلا فهو المنافس المتعارف عليه لحمدين صباحى،فأجابتنى بثقة:شاهدت المناظرة بين أبو الفتوح وعمرو موسى واتخذت قرارى بترشيح صباحى،وأضافت:على فكرة والدى سيرشح أحمد شفيق،وطلب منا ان نرشحه مؤكدا أنه الأفضل،لكننا اتفقنا على صباحى وأعطيناه أصواتنا، على باب اللجنة 20 بنفس المدرسة تدخل سيدة فى الأربعينات ولسانها لا يتوقف عن الدعاء بان يولى الله من يصلح،تردد دون توقف اللهم خرنى واختر لى..تبدو وكأنها فى امتحان صعب،تضع جواز سفرها المميكن وصورلاة بطاقتها امام القاضى الذى يرفض أن تدلى بصوتها،تقسم انها فقدت بطاقتها،يريها النص الموجود فى كتيب التعليمات برفض اى اثبات شخصية خلاف بطاقة الرقم القومى فتنهمر دموعهامرددة:ماذا أقول لأبنائى واحفادى،لا استطيع ان اقول هلم اننى لم اؤدى واجبى تجاه مصر فى..أرجوكم دعونى أنتخب،اعملوا روح القانون،معى صورة البطاقة وأصل الجواز..لكنها تعود بخيبة ودموع صادقة،بعض المواقف الطريفة صبت فى صالح مرشحين رغم عدم توفيقهن فقد أجابتنى سيدة عجوز عندما سألتها على باب لجنة بمصر الجديدة لمن اعطيت صوتك؟بأنها اعطت صوتها لعمرو موسى رقم 5،فابتسمت ومضيت لأنها أعطت صوتها لعبد المنعم ابو الفتوح بدلا من موسى الذى يحمل رقم 4،المفاجاة أن ابنها كان معها وكان مصرا على إعطاء صوته للدكتور محمد سليم العوا، فأبدل قراره وأعطى صوته ايضا لأبو الفتوح معتبرا ان ما حدث مع أمه "إشارة" على ان يعطى ابو الفتوح، بينما تمر إلى جوارى فتاتان توام خريجتا كلية الصيدلة بالجامعة الألمانية،لا تجدان تاكسى ليقلهما غلى مقر لجنتهما الذى تغير إلى عزيز أباظة بدلا من كلية البنات بمصر الجديدة التى تحولت إلى لجنة للرجال فقط،أسألهما لمن صوتهما فتؤكدان انه للدكتور محمد مرسى لأنه صاحب مشروع،
وتؤكدالإعلامية انتصار غريب التى كانت مندوبة لحمدين صباحى بلجنتين فى الشيخ زايد أن العديد من المقعدين جاءوا للإدلاء بأصواتهم منهم سيدات ورجال تعدوا الثمانين ينتخبون للمرة الأولى فى حياتهم،وكانوا يساعدونهم على دخول اللجنة والإدلاء بأصواتهم، كلهم أكدوا انهم جاءوا"علشان يشوفوا بلدهم كويسة".
على رؤوس الشوارع تخترق حملات بعينها الصمت الانتخابى أملا فى أصوات المترددين،لكن هذا الأمر وإن كان وارد الحدوث فى شبرا الخيمة إلا انه غير وارد على الإطلاق فى مصر الجديدة التى تحولت فيها الصفوف أمام مدرسة عزيز اباظة إلى ندوات تثقيفية ومناظرات سياسية على مستو كبير من الوعى والقراءة لكل مرشح قامت الناخبةباختياره.
ووسط هذا الجو المشحون بالإصرار لن يكون غريبا أن يصر الشاعر عمارة ابراهيم على العودة إلى القاهرة للإدلاء بصوته رغم وفاة والدته مساء الإثنين 21 مايو قرية قاو النواورة مركز البدارى،وعلى الرغم من تقاليد الصعيد الصارمة فى إقامة العزاء لمدة ثلاثة أيام إلا انه عاد غلى القاهرة يوم الأربعاء 23 مايو متوجها لمنطقة حدائق حلوان ليؤدى واجبه الوطنى ويرضى ضميره تجاه امه الكبرى مصر وهو ما كاد يودى بحايته لولا العناية الإلهية التى أنقذته بعد ان فقد السيطرة على سيارته نتيجة عطل مفاجىء فى الفرامل.
لقد كانت مصر هناك..روحا وقلبا ..خرجت لتدلى بصوتها .. ومهما كانت النتائج..فلم يتقاعس كل ذى ضمير حى.
.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق