الأربعاء، 16 مايو 2012

جريدة الأسبوع المصرية | مصر الملبوسة |

جريدة الأسبوع المصرية | مصر الملبوسة |

مصر الملبوسة
كتبت:نفيسة عبد الفتاح
هكذا يسمى من يعتقدون بقدرة الجان على الإضرار بالإنسان أصحاب التصرفات الغريبة أو الانفعالات فى غير وقتها أو من يصابون بلحظات من الجنون غير المبرر،لكننا فى كثير من الأحيان نكتشف أن المتهم بأنه ملبوس هو الأنضج،أو ربما يحمل عبء معرفة تشقيه،أو عاطفة مشبوبة ترهق حواسه يدفع ثمنها من جسده وأعصابه،ويبدو أن ماحدث فى العباسية يندرج تحت وصف اللبس،لكنه ليس فقط لبس بالحب كما هو حال عشاق هذا الوطن المشبوبة عواطفهم.
بمنطق أصحاب الفكر الرصين اشتعلت مصر فى وقت لا ينبغى لها أن تشتعل فيه،11 شابا اغتالتهم يد البلطجة،ومايقرب من 250 معتقلا،أما حصاد الجمعة الحزينة فلا أحد يعرفه حتى الآن، كل هذا الهم فى كل بيت،كل هذا الحزن فى قلوب الأباء والأمهات،كل هذا الغضب والسخط فى نفوس أهالى العباسية،كل هذا الإحساس بالظلم فى نفوس المعتصمين،كل هذا الانقسام الشعبى حول ماحدث هناك،كل هذا التحول فى التعامل الرسمى مع المعتصمين،كل تلك الشائعات والأكاذيب!خلطة اللبس والالتباس السحرية مكتملة إذن،بينما يردد أهل الحكمة تساؤلهم الاستنكارى،لماذا ونحن على اعتاب انتخابات ترسى دعائم الديمقراطية،وتعيد الاستقرار،إلى وطن افتقد الأمن وعانى الأزمات على مدار مايقرب من عام ونصف؟
قبل ساعات من بزوغ شمس نهار الجمعة الدامية،هناك فى العباسية،لم يكن لقائى بالمعتصمين لقاء بأولاد أبو اسماعيل كما روج الإعلام،كانت كل التيارات هناك،كما أكد الشباب فى شهاداتهم أمام مجلس الشعب،كان السؤال الذى وجهته إليهم:لماذا تعتصمون بجوار وزارة الدفاع؟تصريحات المجلس العسكرى بالأمس،حملت تهديدا لكم بأن الاقتراب "مافيهوش هزار"،فتحت حافظتها وأرتنى الصورة..لاشىء أقسى من أن تحمل صورة التقطت لوجه حبيب بعد أن فارقته الحياة..بملابسها السوداء وعينيها الحزينتين حدثتنى عن موت أخيها أول شهيد اغتاله البلطجية مساء الثلاثاء من نفس الأسبوع،عفوا نطقت اسمه:أسامة ياحبيبى سقط بطلق نارى فى الرأس،توسلنا لهم ليفتحوا الحاجز لعبور سيارات الإسعاف لكنهم رفضوا.أسامة الذى شهد كل وقائع الثورة بدءا من 25 يناير وأصيب بطلق نارى فى ذراعه فى جمعة الغضب،وأصيب فى يده بطلق،وخرطوش فى ظهر ساقه بينما كان يفتدى بنفسه فتاة أثناء عبورها الطريق فى محمد محمود!!
تركتها فى المستشفى الصغير الميدانى مصرة على أن تكون يدا للمداواة!كان للجميع نفس الهدف،يرددون نفس المعنى بأساليب مختلفة:اعترضنا بكل الوسائل،ولم يسمعنا أحد فقررنا الاقتراب لعلهم يسمعون،نعم نخشى تزوير الانتخابات نعم نخشى من دستور تفصله لنا الأهواء،أصحاب منطق هم،اختلفنا أو اتفقنا معهم..لكنهم دون شك،تعرضوا للخديعة.
من ضربوا وقتلوا أبناء العباسية ضربوهم فى نفس الوقت،ذهب من العباسية ثلاثة أشهرهم رأفت رضا الشهير بقطة وهو شاب متعلم مهذب لا علاقة له بالاعتصامات،كما ذهب الثورى أسامة،فى مجزرة لفقت لكل الأطراف،تم بالفعل تنفيذ حرب الشوارع التى أكد عليها مرارا من لا يستحقون لقب بلطجى ــ ليس لأنه لقب محترم ولكن لأنه أقل بكثير مما هم عليه فعلا ــ لكنها هذه المرة لم تكن ضد المتظاهرين فقط فقد أيقن من يخططون أن المجرمين الذين يدفعون بهم لايمثلون قوة ناجزة كافية للإجهازعلى الثوار،كانوا بحاجة لغضب أهل العباسية،لنيران الألم لفقد الأبناء لتشتعل الفتنة وتتحول العباسية إلى خصم شديد لهؤلاء المعتصمين.
  لقد جعلوا الطرف الثالث جزء لا يتجزأ من اللعبة،وقاعدة أصيلة فى مخطط تخريب الثورة،هذا بالطبع بالإضافة إلى كل الوسائل المنهجية التى اتبعت منذ التنحى وحتى هذه اللحظة،والعباسية مثل التحرير إذا وطأتها أقدام أصحاب المصالح وأحباب النظام الذين يقولون للدنيا ان مصر منقسمة على نفسها،كانت بردا وسلاما،وإذا وطأتها أقدام الثوار كانت نارا ودمارا،والثوار فى أى ميدان من الميادين يواجهون زبانية النظام وربائب أقسام شرطته،كلنا نعلم هويتهم فوجوههم مدموغة بخاتم نسرهم،وقدراتهم السويرمانية عظيمة،فهم يطلقون الرصاص فى وضح النهار ويصورهم المعتصمون وينشرون صورهم فى كل مكان دون أن يمسهم أحد بسوء،فهم فيما يبدو من الجان!!.
أين القتلة الذين اختفوا فى الحوارى الضيقة يذبحون الفارين من أهوال يوم القيامة فى الجمعة الحزينة؟أما السؤال الذى لن نمل تكراره:لماذا لم يقبض على بلطجى واحد منذ بدء الثورة وحتى اليوم؟!
الملبوسون بالثورة والحب وحتى الملبوسين بحب أبو اسماعيل،دفعوا ودفع كل بيت فى مصر ثمنا باهظا لاقترابهم من وزارة الدفاع،أما الملبوسون بشهوة القتل والدم الذين يتلبسون جسد جميل لوطن حزين،فما زالوا يحلقون فى فضاءات الأرض ونحن لا نملك إلا أن نحيا على أمل أن تفتح عليهم أبواب الجحيم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق