أسبوع الدم والأهوال فى العباسية
ميدان العباسية:نفيسة عبد الفتاح __ سليم علاء
يعود الهدوء..ويسيطر الجيش على مجريات الأمور بعد فض اعتصام المتظاهرين
بالقوة..ويبقى ماحدث فى أرض العباسية جرحا غائرا فى قلب مصر،فلا شىء أغلى من
الدماء المراقة على طرقاتها..ولا شىء أقسى من تلك الحالة التى ليس لها مثيل والتى
سيطرت على طرفى الميدان ــ المعتصمون والأهالى ــ لأسبوع كامل نهاية بأحداث الجمعة
المشهودة.. التى شاركت الأسبوع فى تغطيتها
وتعرض فيها الزميل سليم علاء للإصابة بجرح فى الساق بسقوطه على قطعة من الحديد
بينما كان يؤدى واجبه الصحفى أثناء التدافع فى ذروة الأحداث التى بدأت السبت 28
ابريل باعتصام صبغتة الدينية واضحة إلا أنه حمل بداخله بعض القوى الثورية
والمستقلين الذين انضموا لأنصار الشيخ حازم ابو اسماعيل الذين قرروا التصعيد بترك
ميدان التحرير"كما أكد المعتصمون للأسبوع" وتحددت مطالب المعتصمين فى
رفض المادة 28 من الإعلان الدستورى والمطالبة بتغيير اعضاء اللجنة العليا
للإنتخابات بينما أكد آخرون أن مطالبهم هى عدم إجراء الانتخابات الرئاسية أو كتابة
الدستور فى ظل وجود المجلس العسكرى مطالبين بمجلس رئاسى وبتسليم السلطة له.. وقد
تغيرت تركيبة الاعتصام مع بقاء الغلبة
للصبغة الدينية فى اعقاب الهجمات المستمرة التى تعرض لها مجتذبا عددا كبيرا من
الثائرين الرافضين للعنف والمتعاطفين من كل التيارات.
الأسبوع كانت هناك..أمام سرادق العزاء الذى أقامه الأهالى ليلة الخميس
الماضية لاثنين من أبناء العباسية الذين سقطوا فى الأحداث الدامية،حيث بدت ملامح
المشهد المخيف التى استكملناها فى نفس الليلة بروايات المعتصمين لتروى لنا القصة
أخت "اسامة"أول شهيد سقط فى الثالثة صباحا على اثر الهجوم الغادر الذى
بدأ فى الثانية بعد منتصف الليل..اتهامات متبادلة من بين سطورها يمكن أن نقرأ
الحقيقة،وضحايا من الطرفين حيث لايمكن انكار تربص الموت بالجميع بينما الشائعات
تحيط بك والأحداث الغريبة التى يرويها الجميع تسقطك فى حالة من الذهول،والتمثيل
بالجثث ظاهرة جديدة لا يمكن تصديقها..هنا فى العباسية،كان الرعب والغضب والحقائق
الناقصة أبطال القصة التى بدت أطرافها الظاهرة بلطجية واهالى ومعتصمين بينما قد
تكون أطرافها الخفية أكثر من ذلك بكثير والتى
انتهت بوقائع الجمعة التى لايمكن التعرض لها دون أن نتعرض لوقائع أسبوع
اعتصام الدم منذ بدايته.
**العباسية تحكى:
على جوانب الميدان، يقيم أهالى العباسية سياجا ويحمون انفسهم بلجان شعبية،وعلى
جانبى الطريق يطغى الحزن وينصت المعزون فى وجل لآيات الذكر الحكيم فى الصيوان
الضخم الذى أقامه الأهالى على نفقتهم لتقبل العزاء فى الشابين رأفت الشهير بقطة
ومصطفى اسماعيل الذين سقطا بطلقة فى رأس كل منهما.وفجأة يشتعل الغضب وتحدث حالة
شديدة من الهرج الشديد والتدافع..لنكتشف أن الأهالى الغاضبين يعلنون عن رفضهم
التام لوجود عضوى مجلس الشعب عن المنطقة فى العزاء بحجة أنهما لم يظهرا نهائيا
طوال الفترة الماضية وهو ما أدى إلى انسحاب العضوين على الفور. كان احتقان الأهالى
ضد المعتصمين فى ذروته والغضب من اتهامات البعض لأهالى العباسية بالبلطجة شديدا
ويحاول طارق الشيخ أن يكون هادئا وهو يحكى لنا كيف هاجم المعتصمون البيوت وأهانوا
السكان وأوقعوا القتلى،فنطلب منه فى محاولة للفهم أن يحكى لنا القصة من بدايتها،فيوضح
أن الاعتداءات على المعتصمين بدأت السبت بإلقاء الحجارة عليهم من فوق الكوبرى من
مجهولين،مضيفا الغريب أن المجهولين قذفوا الحجارة على المعتصمين بينما كان أهالى
العباسية يقفون بينهم ويتحدثون معهم!!،مضيفا حاولنا تهدئة المعتصمين بعد ما تعرضوا
له ولجأ بعضهم إلى البنزينة لشراء بنزين للدفاع عن انفسهم وحاولنا منعهم لكننا
فوجئنا للمرة الثانية بإطلاق الرصاص وزجاجات المولوتوف علينا معا وكان من يضربوننا
قادمون من شارع رمسيس وكان معنا الشيخ جمال صابر مدير حملة الشيخ حازم ابو اسماعيل
وهو من طالب المعتصمين بالعودة إلى الاعتصام بعد هذا الضرب قائلا:اهالى العباسية
رجعوا بيوتهم نرجع اماكن الاعتصام!
إلى هذا الحد من قصة طارق يبدو المشهد واضحا فهناك آخرون يضربون المعتصمين
والأهالى فى نفس الوقت، ويؤكد طارق أن أهالى العباسية وضعوا سياجا وأقاموا لجانا
شعبية لحماية الأهالى ومنع أى دخول للمعتصمين من جهة العباسية مؤكدا أن أحداث
الثلاثاء الدامية مات فيها ثلاثة من شباب العباسية منهم عمرو الدسوقى الذى تم ذبحه
خلاف أربعة آخرين من منطقة الوايلية ويحكى
اسلام السيد صديق رافت كيف تم التمثيل بجثة
رافت صديقه بينما مات مصطفى أثناء خروجه لصلاة الفجر مؤكدا أنه كان مع رأفت يجلسان
فى المقهى عندما تعرضا لا ستفزاز شديد واهانات من بعض العناصر التى تشارك فى
الاعتصام ويضيف عندما قمنا للدفاع عن انفسنا فوجئنا بأسلحة آلية وتم قتل رافت وأصبت
بطلقة لم تخترق جسمى وإن مرت فى جلدى ..ويروى أحد ابناء العباسية ويصدق على روايته
كل الواقفين كيف فوجىء الأهالى بانقطاع التيار الكهربائى واندفاع سيارة سيراتو
نبيتى بدون لوحات بين البيوت فجر الأربعاء لتمطر المنطقة بالرصاص مسببة حالة من
الرعب!وكيف قبض الأهالى على ممثلة ناشئة ومعا سلاح أبيض،إضافة الى اشتباههم فى
رجلين وتسليمهما لقسم الوايلى حيث اتضح أنهما من عرب 48! وبإدانة كاملة للمعتصمين يؤكد
سامح هاشم المحامى أن الملتحين فى ليلة
الأربعاء الدامية أرادوا الصعود أعلى بيته لإلقاء الملوتوف لكنه رفض بشده مؤكدا أن
معركة حربية استمرت لمدة 13 ساعة دون تدخل من أى أجهزة امنية وأنه شاهد حالة ذبح
مواطن امام عينيه كان يحمل بندقية ومؤكدا محاولة الملتحين التهجم على بيوت الأهالى
وأن المعتصمين كانوا يخفون الأسلحة فى مسجد النور بالعباسية حيث بدأت تشكيلات
الهجوم على الميدان والأهالى من منطقة غرب القوشلاق والمرور التى تجاور مسجد
النور.
بينما يؤكد الحسينى المعيد بكلية الأداب جامعة القاهرة أن حارس الكرسى يوقع
بين كل الأطراف ليحقق أهدافه فى الفوضى مشيرا إلى ان الجميع تعرضوا للخديعة!!
*** المعتصمون ينفون :
المشهد الغاضب بين الأهالى يقابله مشهد غاضب آخر بداخل الاعتصام،وبداية من مدخل
النفق المؤدى إلى جامعة عين شمس كان المعتصمون يضعون أيضا سياجا ليحموا أنفسهم بينما يقف الناضورجية
أعلى سقف النفق لمراقبة الطريق وتمنع اللجنة الأمنية للمعتصمين الدخول إلا بعد التحقق
من الشخصية.
هناك لسنا بحاجة إلى البحث عن هوية المعتصمين..فالشكل السائد دون شك
إسلامى..وإن كان التنوع أيضا واضحا فهناك يغنى شباب 6 ابريل وبعض شباب الألتراس
بشكل شخصى واخوان مسلمين بصفتهم الشخصية أيضا ومستقلين من كل التيارات.
يؤكد محمد أنه على الرغم من كونه من محبى الشيخ حازم أبو اسماعيل إلا أنه نزل من أجل المبدأ وليس الشخص رافضا تعمد إبعاد الشيخ
عن الانتخابات والتعامى عن حكم المحكمة الذى صدر لصالحه،مؤكدا أنه لم يتصور أن
يتواجد فى اعتصام يقتل فيه المعتصمون وتشوه جثثهم على النحو الذى تم فى مذبحة
الثلاثاء،ويؤكد شاب من محبى الشيخ أن إعلان الشيخ تبرؤه من الاعتصام أمر لا يغضبه
وأنه كان عليه أن يفعل ذلك وأنه بالفعل ذهب لهم فى التحرير وقال أن من يعتصم من
أجله عليه أن يترك الاعتصام لكنه يشعر بأن الساكت عن الحق شيطان أخرس،بينما يؤكد
شاب آخر"عضو من أعضاء حملة الشيخ" أنه لم يعتصم من أجل الشيخ لكنه معترض
على كل ما فعلته لجنة الانتخابات مؤكدا عدم ثقته فى نزاهة الانتخابات فى ظل وجود
هذه اللجنة مؤكدا انه حتى فى حالة صدور قرار بإعادة ابو اسماعيل"والله
ماهانمشى" مطالبا ألا تزور إرادة هذا الشعب.ويؤكد احد اعضاء 6
ابريل"طبيب" ان الاعتصام يشارك به شباب من اجل الحرية والعدالة
واسلاميين مستقلين والاشتراكيين الثوريين،وان بعض الأحزاب الدينية التى اعلنت
ابتعادها عن الاعتصام يتواجد اعضاؤها بصفتهم الشخصية.
ويضيف أ.عيد ..جئت حتى لا يأتى لنا الصندوق بشخص من الفلول ثم يقال عندما
نعترض أنه خروج على الشرعية مضيفا أنه تم تشويه صورة الاعتصام باستمرار القول
إعلاميا أنه لأولاد ابو اسماعيل بينما هذه مرحلة وانتهت تماما فالقوى الثورية كلها
اتحدت على مطالب محددة بعيدا عن قصة الشيخ حازم.
ويؤكد عاصم الطالب الجامعى أنه غير
مقتنع بأهداف الاعتصام لكنه جاء فقط بسبب الغدر الذى تعرض له المعتصمون مضيفا:إراقة
الدم كافية لنجتمع.
ويؤكد أحد المعتصمين انهم لم يهاجموا بيوت العباسية إطلاقا وانهم مندهشون
من هذا الكلام ملمحا إلى أن عناصر ملتحية تقوم بدور لصالح جهات مجهولة لتدين
المعتصمين فتهاجم البيوت بهدف تهييج الأهالى ليقوموا بالهجوم على المعتصمين
والقضاء عليهم مشيرا إلى أن المرة الوحيدة التى دخلوا فيها إلى منطقة البيوت كانت
عندما تمت مهاجمة الاعتصام من البلطجية وتمت مطاردتهم فاختفوا بين البيوت وهو ما
دفع المعتصمين لتتبعهم فظن الأهالى انهم يهاجمونهم..كما أكد أن المعتصمين وقعوا فى
خطأ كبير عندما تركوا الإسلاميين يستقبلون الظواهرى فى مشهد أثار حفيظة المواطن
العادى وهو ما أفقد الاعتصام التعاطف الشعبى خوفا من أن يتم جعل مصر مثل أفغانستان
وهو خطأ دفع ثمنه كل المعتصمين،ويضيف لدى عدة اسئلة أتمنى أن تجدوا لها إجابة
لماذا يتم تصفية أى اعتصام له مطالب ثورية،بينما لا يقترب احد ممن يقطعون الطريق
لمطالب فئوية،ومن وراء البلطجية الذين نذكرهم بالإسم سواء من عزبة ابو حشيش أو ممن قلنا أنهم من
العباسية،ولماذا يتم ترك المتظاهرين يموتون،وكيف وصلت بالبلطجية الجرأة بالوقوف
على أبواب المستشفيات لاستهداف الجرحى؟!
فى المستشفى الميدانى الملاصق لبوابة الأمن التى صنعها المعتصمون نلتقى بها،شابة
"بدون حجاب" فى ملابس سوداء،ملامحها تنطق بالحزن..ترفض ذكر اسمها وتفتح
حافظتها لترينا صورة أخيها اسامة أول من سقطوا من شهداء الاعتصام،تؤكد إصابته
بطلقة فى الراس تماما مثل شهيدى العباسية رأفت ومصطفى،تؤكد انهم استغاثوا ليسمحوا
لهم بدخول سيارة اسعاف دون جدوى..مات أسامة لكنها اصرت على استكمال
الاعتصام..مرددة فى كل مرة نقول فيها "لا نجيب حقهم لنموت زيهم"لا نأتى
بحقهم ويموت منا أفراد جدد..أسألها:منذ متى وأنت وهو هنا؟فتؤكد أنهما تواجدا منذ
اليوم الأول وانهما جاءا بمطلب محدد،لا انتخابات ولا دستور فى ظل حكم المجلس
العسكرى،تحكى لى دون زيادة او نقص مارواه اهل العباسية عن بدء الهجوم من البلطجية
على الطرفين فى نفس الوقت لكنها تؤكد أن بلطجية
تقول أنهم ينتمون إلى العباسية منهم كريم بسكوته وأحمد على الله طلبوا من
المعتصمين فى اليوم الأول عدم تخوينهم ومع ذلك تؤكد أن البلطجية هم من قاموا
بالاعتداء عليهم وتضيف ضبطنا بداخل الاعتصام أناس من دمياط والمنيا بكارنيهات
الحزب الوطنى وترفض "أخت أسامه" اتهام اهالى العباسية بمهاجمتهم بينما
تدين البلطجية مؤكدة انهم ضربوهم بالرصاص الحى وقنابل المونة والمولوتوف وأنهم
كانوا ينفذون عمليات القتل بدم بارد،وانهم حاصروا مستشفى دار الشفاء وكانوا يقتلون
المصابين الملتحين تحديدا.
أحداث الجمعة
فى قلب ميدان العباسية كانت
الأسبوع ترصد أحداث الجمعة الحزينة التى سالت فيها دماء الجيش والشعب على حد
سواء..
تلك الأحداث التى بدأت بتجمع المئات من جميع التيارات الثورية والأحزاب أمام
مسجد النور بالميدان عقب صلاة الجمعة،إضافة إلى ممثلين لعدد من اتحادات الطلاب بعض
الجامعات،وعلى الرغم من تضارب الأقوال حول أسباب اندلاع شرارة الأحداث،مابين قائل
أنها بدأت بالقاء الشباب المندفع للحجاره على أفراد الشرطه العسكريه أو قول آخر
بقفز شاب خارج السياج"أو سقوطه عن غير عمد وهو يهتف" واصابة المتظاهرين
بالهياج بعد رؤيته يضرب بقسوة من الشرطة العسكرية ومابين قائل ان الشرطة العسكرية
هى من بدأت بإلقاء الحجارة،إلا ان النقطة الحاسمة كانت عندما سقط جندى مصابا فى
رأسه حيث تحولت المنطقة إلى ساحه للحرب بالحجارة وهو ما أدى إلى أصابه العشرات من المتظاهرين
والجنود بينما انتزع متظاهرون ألواحا من الصاج من مشروع قريب لمترو الأنفاق وأقاموا
بها حاجزا للاحتماء خلفه من الحجارة.ثم تطور الأمر إلى استخدام الجيش للغازات
المسيلة للدموع وهى البداية الساخنة للأحداث التى شاهدها الجميع عبر شاشات
التليفزيون حيث تراجع المتظاهرون والمصابون فى فوضى عارمة،أدت إلى إصابات كثيرة وتم
إخلاء الميدان من المتظاهرين تحت ستار من الأعيرة النارية التى أطلقت فى الهواء
بالتزامن مع حملة واسعة لاعتقال النشطاء، وقد كانت التحذيرات أثناء فرار المتظاهرين
تؤكد أن البلطجية يتربصون فى الشوارع الجانبية ليجهزوا على الفارين منهم بضربهم حتى
الموت أو بالأسلحة البيضاء وبالفعل تم تفريق الجميع ناحية غمرة إما جريا أو تشبثا
بسيارات الاسعاف التى تنقل المصابين بينما توجه البعض الآخر الى شارع صلاح سالم
لتنتشر المدرعات والدبابات والمدهش أن أهالى العباسية الغاضبون هم من فتحوا للفارين ممرات آمنة للهروب بينما يؤكد
الشهود أن اعداد البلطجية كانت تفوق التصور وكانوا بالفعل يتصيدون الفارين
بوحشية،إلى ان تم اعلان حظر التجول..وقد أكد شهود عيان أن اسلحة كانت فى مسجد
النور بينما اكد آخرون انها جلبت من خارجه بينما تم القبض على عدد من المصلين والأطباء
الذين تواجدوا فى المسجد كما تم اعتقال صحفيين واعلاميين وشاهد الجميع إخراج الشيخ
حافظ سلامة من المسجد حيث قيل أنه لم يقبض عليه وإنما تم إخراجه خروجا آمنا فى
حراسة الشرطة العسكرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق