الساحرة التى تداوينى
نفيسة عبد الفتاح
أداوى الروح بالكتابة .. أحرر طفلة يأست
من قتلها سنوات طويلة من الغوص فى آلام النفس والناس، اجعلها تقفز طليقة تحت أغصان
حديقتى الملونة بأبدع الزهور، أبقيتها فى الروح
ترتدى فستان العيد ،وتضع شرائطها الملونة وتلبس جوربها ناصع البياض وحذاءها الجديد
اللامع كالمرآة، أبقيتها رغم أنف المبانى القبيحة والشوارع المختنقة والعشوائيات الكئيبة
وأكوام القمامة والأعياد الحزينة، أطلق الفارس الذى أعرف أنه يسكننى لكنه مختنق، يحسبون
عليه كلماته وزفراته، ترقبه ألف عين من عيون المخبرين، أعبرعن أمومتى التى يسرقها منى
زيف أوهام زرعوها فى نفوس أبنائنا، أحالوهم إلى آلات تضغط أزرار العالم الافتراضى وتظن
كذبا أنها أبواب الحياة ، تميت فيهم تواصل أرواحهم وتغلق عليهم أسوار سجن وهمى لظنون
وأوهام لا يفلت منه إلا من رحم ربى، أحارب خجلى من وجوه تبتسم لى بمودة زائفة وادعاءات
محبة كاذبة، فقط لأنها تريد أن أظل صامتة عن قول الحق، تطلب ذلك باسم العشرة والعيش
والملح ، بينما هى تقتات من لحوم كل من عرفتهم وتصعد على أجسادهم.. الكتابة سفرى
إلى بلاد أحببتها وأناس تمنيت أن أراهم وقلوب تمنيت أن تحيط بى ، الكتابة هى النهايات
السعيدة لقصص تمنيت ان تكون تلك خاتمتها،والامتداد لسيرة بشر قصم رحيلهم ظهرى.. أحرق
بها شيطانا رجيما يعاودنى هامسا : ماذا جنيت غير أوجاع لم يفهم سرها الأطباء؟ ..الكتابة تلك الساحرة
..التى يجعلها البعض عوجا و طمسا للحقائق ومد جسور للظلام ..بينما يفتح بها البعض أبواب
الاستقامة ويمد طرق النور ..أتمكن عبرها من اقتطاف مغزى قد لا يلتفت له الآخرون ..من
عميق بئر الألم .. من ذروة لحظات الفرح.. ربما قليلون من يقتطفون تلك الثمرة ..عندما
كتبت لأبى "رحمه الله " وهو على فراش مرضه الأخير منذ مايقرب من ثلاثين عاما "كأن الجرح يا أبتى عنيد جاء يلقاك ..ينازل فيك بالبأس وبالألم تحداك ..قديما
جدت بالمال ..وجاد اليوم جنباك ..فلا تحزن ولا تهن ..وقل يارب رحماك ..فلا الألم سينتصر
ولا المولى سينساك " منحنى يومها كلمة واحدة وكأنها نياشين العالم ..كتب لى
"كويس" ووقع باسمه على ورقتى الصغيرة .. كانت تلك "الكلمة" منحة
من عشرات المنح الجميلة التى زودنى يها لرحلة لا أعلم متى تنتهى .. وكانت تلك الأبيات
هى "كلمتى" التى حاربت بها عجزى عن تخفيف ألم أعز الناس .. كتبت بقلبى لأخفف عنه ألما ماتبرم منه قط .. فقد كان يعلم يقينا ويصرح أنه ذاهب إلى لقاء ربه الحبيب
.. نعم ..أزعم أننى التقطت المعنى وفهمت ماقصده .. حاولت أن أجود أكثر وأنا أحاول أن أداوى الآخرين
بما أكتب ربما أحصل على تقدير "ممتاز" رغم المقام الرفيع الذى وضعت فيه كلمة
أبى "كُوَيسْ".. فهمت أن بعضهم رغم تقديرهم لكلمتى إلا أنهم ليسوا بحاجة
لدوائى لأنهم تصالحوا مع أنفسهم وتعافوا رغم ظاهر مرضهم .. بعضهم استعصى على الدواء
.. بعضهم يذكر لى بكل الخير كلمة غيرت عنده الكثير ..أما انا فقد داويت نفسى كثيرا
بالكلمة .. فشلت قليلا ..نجحت كثيرا ..لكننى ازعم أننى لولاها ربما مت ألف ألف مرة
.