القدر..ليلة الأسرار
وعبادة تزيد عن ثمانين عاما
إن كان مبلغ علمنا عن ليلة
القدر أنها ليلة الدعاء المستجاب وأن عبادتها مضاعفة الثواب ..فإنها دون شك ليلة
الأسرار..وليلة الأسرار هذه تظلنا هذا العام فى ظروف شديدة الخصوصية..وكأنما بلغت
القلوب الحناجر حقا..فقد ضاقت حتى استحكمت حلقاتها حتى نكاد نظن أنها لن تفرج
أبدا..ووسط الضغوط القاسية والأحلام المتعثرة وبينما نجتهد للخروج من أزماتنا
المتوالية،تحتاج الروح حقا لليلة مماثلة..ليلة لا شك لها خصوصيتها وإن جاءت فى
أواخر شهر كريم له فضل عظيم كل أيامه لها خصوصية وجمال..فليلة القدر أخص الخاص
وأجمل الجمال وعطاء الرحمن فيها مختلف عن كل الليالى فهو حقا أجزل العطاء.وليلة
الأسرار فيها يقال ما منه العقول تحتار،أحاطها البسطاء بالأساطير، منها مايقال من
ظهور طاقة نور أو نار تفتح فى وسط ظلمة السماء،ومن الأسرار الحقيقية لتلك الليلة
ما يفصح عنه القرآن،ومنها ما اجتهد فيه المفسرون والعلماء،أسرارها تبدأ من ميقاتها،الذى
أخفاه الله بين أيام الثلث الأخير من شهر القرآن،لا نعرفها أبدا إلا اذا لاحظنا
الشمس فى صبيحتها فعن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: (( أخبرنا رسولُ الله صلى الله
عليه وسلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها)). وجهلنا بميقاتها يزيد من اجتهادنا فى
طلبها فيكثر عملنا ونزداد تقربا منه
سبحانه،ولا يصل اليها الا من كان جادًّا في طلبها،وقد فتح الله لنا بعضا من أبواب
الوصول الي أسرار ميقات ليلة القدر على لسان حبيبه صلى الله عليه وسلم،فعن أبي سعيد
الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان اعتكف معي، فليعتكف
العشر الأواخر، وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها
فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر)) ثم حدد
لنا الرسول موعدها أكثر فأكثر،فعن ابن عمر رضي الله عنهما، ((أنَّ رجالاً من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها
في السبع الأواخر)).
وسورة القدر هى سورة الإفصاح
عن أسرار ليلة القدر،بعض من تلك الأسرار يكشف عنها تفسير السورة الكريمة فى التفسير
الكبير "مفاتيح الغيب"للإمام الفخر الرازى،ومما ذكره من الأسرار سر
تكرار كلمة القدر فى السورة ثلاث مرات فعن أبى بكر الوراق أنه قال سميت ليلة القدر
لأنه نزل فيها كتاب ذو قدر"القرآن الكريم" على لسان ملك ذى
قدر"جبريل عليه السلام"على أمة لها قدر"أمة
الإسلام"مضيفا:ولعهل الله تعالى انما ذكر القدر فى تلك السورة ثلاث مرات لهذه
الأسباب.
ويعدد الإمام الرازى
أسباب تسمية ليلة القدر بهذا الاسم ومنها أنها ليلة تقدير الأمور والأحكام ويؤكد
ذلك بقوله تعالى"فيها يفرق كل أمر حكيم"،وعامة العلماء يرون أن الله
يظهرللملائكة فى تلك الليلة المقادير التى علمها بعلمه الأزلى بأن يكتبها فى اللوح
المحفوظ. أما عن قوله تعالى "ليلة القدر خير من الف شهر"فيفسره
الرازى عدة تفسيرات منها أن العبادة فيها
خير من ألف شهر ليس فيها هذه الليلة فعن مالك
بن أنس"أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمار الناس قبله ، أو ما شاء الله من
ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر
، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر" وهو مايعنى أن من أحياها فكأنما
عبد الله تعالى مايزيد عن ثمانين عاما ومن أحياها كل عام فكأنما رزق أعمارا كثيرة
فوق عمره ومن أحيا الثلاثين ليلة لينالها بيقين فكأنه أحيا ثلاثين ليلة
قدر..فاللهم بلغنا ليلة القدر .
نفيسة عبد الفتاح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق