'تراب أحمر' الرواية بأسلوب القصة القصيرة
"تراب أحمر" الرواية بأسلوب القصة القصيرة
الأعوام تمر سريعا، يزبل ورق الأشجار ثم يطيح من علياء الشوامخ فإذا هو في الارض بعد ان كان في القمة يحجب ضوء الشمس ويصيغ السمع لحفيف الريح ودقات الندا والمطرا الي اين تقودنا الحياة وقد صار العمر خريفا وشب البياض في المفارق وعلي اطراف الخصلات المهدلة لكن التقدم في العمر ليس علي كل الاحوال سيئا خاصة ان فعلت في حياتك شيئا يستحق الذكر والفخر والابتسام، ورواية تراب احمر للكاتبة نفيسة عبدالفتاح من ذلك النوع حيث يتخلف الغبار عن ايقونة او كنز مغامرة في بواكير حياتها حيث قدر لها فيما بعد ان تعيش لتروي وتذكر في صفحات مغامرتها الاولي في الحياة والغربة والخطر والموت والظلم، نعم هي سيرة ذاتية بذات الألوان للتراب الذي خلقنا منه جميعا فإذا منا الابيض والاحمر والاصفر والاسود، واذا منا من في غلاء الذهب او رخص الرمال السافه البيضاء، ومن في صلابة الألماس أو ليونة الصلصال وغفوته. عفوا فقد قرأتها من ذاك المنطق، حيث تتجاوز الرواية في اسلوبها المجهل للشخصيات كل مايمكن ان يخطر علي بال ناقد او قارئ في الشكل الفني للعمل الروائي، لكنها تقيم في النهاية العالم المتكامل للقصة الروائية باسلوب فريد ومخفز للخيال، فنحن ازاء سبعة عشر عنوانا بداية بـ(براءة طفل) وانتهاء بـ(افراح مؤجلة) ونفيسة عبدالفتاح هنا لم تقل انها فصول للرواية لكنها عمليا جمعت كل قصة من اجزاء روايتها تحت عنوان فنسجت منها في وقت واحد القصة الوحدة التي تشكل مع باقي الوحدات تفاصيل الرواية ولدينا اكثر من دليل علي ذلك، الاول ان حجم الرواية لايتجاوز (511) صفحة وهذا يعني ان الكاتبة تخلت عن اطالة السرد والوصف الحي المباشر للمشاهدات بل حتي ايجاد عالم نفسي متكامل في خلفية العمل ولصالح روايتها المكتوبة بأسلوب الجمل القصيرة، والايقاع السريع الذي لايبطئ واسلوب الازاحة للكلمات التي لاتشكل ضرورة يفهم منها اي شيء زائد وهو اجمالا شكل من اشكال الاختصار والمباشرة الدرامية للحدث الرئيسي والذي لايهم الكاتبة ان تخلقالي جواره حبكات ثانوية يكون غرضها التزين وهو الاسلوب الاكثر انتشارا في كتابة القصة القصيرة، حيث لكل كلمة مدلول واتاح لها ذلك الاسلوب القصصي عدم شغل تفكير القاريء عن الخط الرئيسي للرواية، هل قصدت نفيسة عبدالفتاح رواية قصة ادم وحواء في جنتهما والمؤامرات من حولهما لاخراجهما من تلك الجنة فاستعاضت بالجنة ارض افريقيا الاستوائية بغاباتها وحشراتها وترابها الاحمر وفاكهتها، هل كان المدير الطاغية واعمال السحر الذي تعرض لها البطلان (الزوج والزوجة) ترديد وتجسيد لقصة الشر والشيطان وخادمة الافعي، ربما فالغالب لدي انها قصة لسيرة ذاتية للكاتبة في بواكير حياتها، لكنها تري نفسها حواء الانسانة والام الطيبة التي تتعرض لظلم لاتدري من اين اتاها ولم مورس ضدها. ولان براءتها واضحة للعيان فلم يتخل عنها زوجها ولا اعتبرها مسئولة عن العسف والخسف الذي يتعرض له من مديره (الشيطان) في عمله والذي يفعله ضده لتطويعه وكذلك فعل أدم مع حواء تقبل التحدي وامتثل للقدر وواجه الشر وانتصر، ولذلك تأتي عبارة (كلب حراسة مجاني، ويفهم. ما رأيك فيرد الزوج: ربما اراد الله ان يظهر لنا أي لتتأكد من أننا لسنا بمفردنا). هذا الحوار البسيط يأتي في تضاعيف الجزء المسمي (علي كل لون يا ابتسام)، ثم تندهش لسردها شكل واحجام الخضراوات المعروفة لدينا، حتي فطر عيش الغراب الذي بحجم عملاق، هل هذه هي زامبيا في السبعينيات من القرن الماضي ام هي تتمه لخيال الكاتبة التي تصنع معك بواقعية ذلك العالم الاسطوري والنفسي لبدء وجود الانسان علي الارض، الامر هنا يتجاوز عتبات الحي والمكان الي الوصول بحكمة الي الاخطاء، فتطالعك ص72 عبارات وتفسيرات عفوية (ان القابل بالعيش وسط فقر وجهل وامراض بلد كهذا. من المؤكد انه انسان غير سوي طردته مصر قبل ان يهجرها.؟) ثم يأتي صوت السائق في الفقرة التالية ليؤكد ان شعب زامبيا ازاح ديكتاتور حكمهم عشرين عاما واتي في انتخابات حره بـ(فريدريك شيلوبا) ثم يضيف عبارة لها مدلول هام (صدقني يمكننا دائما ان نغير مالا يعجبنا) هذا الاصرار والثقة هو ماندعوه كرامة شعب حتي وهو فقير ومريض لكن حر وآبي، وهو يصنع للرواية بعدها السياسي بعد نجاح الكاتبة في تغليف نص مثولوجي قديم بروح عصرية براقة تمعن في السخرية بقتامة الوضع الراهن، مع ربط ذلك بروح الايمان التي في المصري بالله ثم وطنه ونفسه، سنلاحظ هنا انحرافها بالكلام عن وجهته نحو انعطافه ذهنية وثقافية مختلفة ومخالفة للمتن الاصلي للنص الروائي الذي يتميز بالجمع بين الجمل القصيرة والقصد المباشر في الظاهر، كما يفعل الصحفي في كتابة مقال. لكنها تقيم رغم ذلك مع مزيد من التمعن في كلامها خطاب اخر حقيقي يقيم امام ذهنك قيم ثقافية بديلة وبالقطع منافسة في تشويقها، وهنا سنلاحظ بجلاء ان الكاتبة نفيسة عبدالفتاح تقصد المتن الاصلي بقدر ماتقصد الاستطراد المصاحب وتهدف اليه مع انها اختطف منذ البداية حبكة القصة القصيرة وصنعت منها في استطراد مستمر وبناء فني درامي متواصل روايتها القصيرة بلا زيادات قد تعاب عليها او ملل من القاريء قد يثنيه عن اتمامها، وهذا لعمري مخترع ثقافي ابداعي يشابه قول امريء القيس (مكر مر مقبل مدبر معا). في ختام تجوالي في رواية تراب احمر استعيد عنوانين لهما دلالات القص لدي الكاتبة (علي غير ما يبدو ثم بعض خيطو الضوء) والواقع ان تداخل الاجناس الأدبية المتشابهة قد يشكل خلطا لدي القاريء الا اذا كان الكاتب يعي انه يقدم عمله في اطار محدد بالسيرة الذاتية حيث حيث تتقابل الانا صاحبة السرد مع ذات الكاتب وتستعيد جزء او كل التجربة تعيد صياغتها فنيا علي اساس الدراما والفكر والادب وعنصر التخيل الذي يؤطر نفسه في استعادة لحظة الزمن الماضية والعنوانين السابقين هما ابلغ دليل علي مدي نجاح او بعض نجاح الكاتبة في ذلك الاتجاه من حيث انه اوضح دوافعها لرواية جزء من سيرتها الذاتية التي تماست مع سيره حياة امرأة اخري تمثل النساء ككل بغير ان تكون مقيدة بعقد تلك المقارنة او الإفصاح عنها (فانتفت واختارت) ووضعت ضوابط وقرائن وانهت الرواية بأن الشر لازال في الافق.
باحث وروائي - عضو نادي القصة المصري
| اغسطس 2014 |
| 3 |
المصدر: الأهرام المسائى
بقلم: احمد محمد جلبى
الأعوام تمر سريعا، يزبل ورق الأشجار ثم يطيح من علياء الشوامخ فإذا هو في الارض بعد ان كان في القمة يحجب ضوء الشمس ويصيغ السمع لحفيف الريح ودقات الندا والمطرا الي اين تقودنا الحياة وقد صار العمر خريفا وشب البياض في المفارق وعلي اطراف الخصلات المهدلة لكن التقدم في العمر ليس علي كل الاحوال سيئا خاصة ان فعلت في حياتك شيئا يستحق الذكر والفخر والابتسام، ورواية تراب احمر للكاتبة نفيسة عبدالفتاح من ذلك النوع حيث يتخلف الغبار عن ايقونة او كنز مغامرة في بواكير حياتها حيث قدر لها فيما بعد ان تعيش لتروي وتذكر في صفحات مغامرتها الاولي في الحياة والغربة والخطر والموت والظلم، نعم هي سيرة ذاتية بذات الألوان للتراب الذي خلقنا منه جميعا فإذا منا الابيض والاحمر والاصفر والاسود، واذا منا من في غلاء الذهب او رخص الرمال السافه البيضاء، ومن في صلابة الألماس أو ليونة الصلصال وغفوته. عفوا فقد قرأتها من ذاك المنطق، حيث تتجاوز الرواية في اسلوبها المجهل للشخصيات كل مايمكن ان يخطر علي بال ناقد او قارئ في الشكل الفني للعمل الروائي، لكنها تقيم في النهاية العالم المتكامل للقصة الروائية باسلوب فريد ومخفز للخيال، فنحن ازاء سبعة عشر عنوانا بداية بـ(براءة طفل) وانتهاء بـ(افراح مؤجلة) ونفيسة عبدالفتاح هنا لم تقل انها فصول للرواية لكنها عمليا جمعت كل قصة من اجزاء روايتها تحت عنوان فنسجت منها في وقت واحد القصة الوحدة التي تشكل مع باقي الوحدات تفاصيل الرواية ولدينا اكثر من دليل علي ذلك، الاول ان حجم الرواية لايتجاوز (511) صفحة وهذا يعني ان الكاتبة تخلت عن اطالة السرد والوصف الحي المباشر للمشاهدات بل حتي ايجاد عالم نفسي متكامل في خلفية العمل ولصالح روايتها المكتوبة بأسلوب الجمل القصيرة، والايقاع السريع الذي لايبطئ واسلوب الازاحة للكلمات التي لاتشكل ضرورة يفهم منها اي شيء زائد وهو اجمالا شكل من اشكال الاختصار والمباشرة الدرامية للحدث الرئيسي والذي لايهم الكاتبة ان تخلقالي جواره حبكات ثانوية يكون غرضها التزين وهو الاسلوب الاكثر انتشارا في كتابة القصة القصيرة، حيث لكل كلمة مدلول واتاح لها ذلك الاسلوب القصصي عدم شغل تفكير القاريء عن الخط الرئيسي للرواية، هل قصدت نفيسة عبدالفتاح رواية قصة ادم وحواء في جنتهما والمؤامرات من حولهما لاخراجهما من تلك الجنة فاستعاضت بالجنة ارض افريقيا الاستوائية بغاباتها وحشراتها وترابها الاحمر وفاكهتها، هل كان المدير الطاغية واعمال السحر الذي تعرض لها البطلان (الزوج والزوجة) ترديد وتجسيد لقصة الشر والشيطان وخادمة الافعي، ربما فالغالب لدي انها قصة لسيرة ذاتية للكاتبة في بواكير حياتها، لكنها تري نفسها حواء الانسانة والام الطيبة التي تتعرض لظلم لاتدري من اين اتاها ولم مورس ضدها. ولان براءتها واضحة للعيان فلم يتخل عنها زوجها ولا اعتبرها مسئولة عن العسف والخسف الذي يتعرض له من مديره (الشيطان) في عمله والذي يفعله ضده لتطويعه وكذلك فعل أدم مع حواء تقبل التحدي وامتثل للقدر وواجه الشر وانتصر، ولذلك تأتي عبارة (كلب حراسة مجاني، ويفهم. ما رأيك فيرد الزوج: ربما اراد الله ان يظهر لنا أي لتتأكد من أننا لسنا بمفردنا). هذا الحوار البسيط يأتي في تضاعيف الجزء المسمي (علي كل لون يا ابتسام)، ثم تندهش لسردها شكل واحجام الخضراوات المعروفة لدينا، حتي فطر عيش الغراب الذي بحجم عملاق، هل هذه هي زامبيا في السبعينيات من القرن الماضي ام هي تتمه لخيال الكاتبة التي تصنع معك بواقعية ذلك العالم الاسطوري والنفسي لبدء وجود الانسان علي الارض، الامر هنا يتجاوز عتبات الحي والمكان الي الوصول بحكمة الي الاخطاء، فتطالعك ص72 عبارات وتفسيرات عفوية (ان القابل بالعيش وسط فقر وجهل وامراض بلد كهذا. من المؤكد انه انسان غير سوي طردته مصر قبل ان يهجرها.؟) ثم يأتي صوت السائق في الفقرة التالية ليؤكد ان شعب زامبيا ازاح ديكتاتور حكمهم عشرين عاما واتي في انتخابات حره بـ(فريدريك شيلوبا) ثم يضيف عبارة لها مدلول هام (صدقني يمكننا دائما ان نغير مالا يعجبنا) هذا الاصرار والثقة هو ماندعوه كرامة شعب حتي وهو فقير ومريض لكن حر وآبي، وهو يصنع للرواية بعدها السياسي بعد نجاح الكاتبة في تغليف نص مثولوجي قديم بروح عصرية براقة تمعن في السخرية بقتامة الوضع الراهن، مع ربط ذلك بروح الايمان التي في المصري بالله ثم وطنه ونفسه، سنلاحظ هنا انحرافها بالكلام عن وجهته نحو انعطافه ذهنية وثقافية مختلفة ومخالفة للمتن الاصلي للنص الروائي الذي يتميز بالجمع بين الجمل القصيرة والقصد المباشر في الظاهر، كما يفعل الصحفي في كتابة مقال. لكنها تقيم رغم ذلك مع مزيد من التمعن في كلامها خطاب اخر حقيقي يقيم امام ذهنك قيم ثقافية بديلة وبالقطع منافسة في تشويقها، وهنا سنلاحظ بجلاء ان الكاتبة نفيسة عبدالفتاح تقصد المتن الاصلي بقدر ماتقصد الاستطراد المصاحب وتهدف اليه مع انها اختطف منذ البداية حبكة القصة القصيرة وصنعت منها في استطراد مستمر وبناء فني درامي متواصل روايتها القصيرة بلا زيادات قد تعاب عليها او ملل من القاريء قد يثنيه عن اتمامها، وهذا لعمري مخترع ثقافي ابداعي يشابه قول امريء القيس (مكر مر مقبل مدبر معا). في ختام تجوالي في رواية تراب احمر استعيد عنوانين لهما دلالات القص لدي الكاتبة (علي غير ما يبدو ثم بعض خيطو الضوء) والواقع ان تداخل الاجناس الأدبية المتشابهة قد يشكل خلطا لدي القاريء الا اذا كان الكاتب يعي انه يقدم عمله في اطار محدد بالسيرة الذاتية حيث حيث تتقابل الانا صاحبة السرد مع ذات الكاتب وتستعيد جزء او كل التجربة تعيد صياغتها فنيا علي اساس الدراما والفكر والادب وعنصر التخيل الذي يؤطر نفسه في استعادة لحظة الزمن الماضية والعنوانين السابقين هما ابلغ دليل علي مدي نجاح او بعض نجاح الكاتبة في ذلك الاتجاه من حيث انه اوضح دوافعها لرواية جزء من سيرتها الذاتية التي تماست مع سيره حياة امرأة اخري تمثل النساء ككل بغير ان تكون مقيدة بعقد تلك المقارنة او الإفصاح عنها (فانتفت واختارت) ووضعت ضوابط وقرائن وانهت الرواية بأن الشر لازال في الافق.
باحث وروائي - عضو نادي القصة المصري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق