ماركيز.. عاش ليروي ويرفض ويسجل مواقفه مع الثائرين | نفيسة عبد الفتاح | بوابة الأسبوع
عشت لأروي.. تلك هي خلاصة حياةعريضة لصاحب مائةعام من العزلة، الحب في زمن الكوليرا، وقائع موت معلن، خريف البطريرك، ولا أحد يكتب إلي الكولونيل، وهو في نفس الوقت عنوان السيرة الذاتية لكاتب كولومبيا العظيم الفائز بجائزة نوبل جابريل جارثيا ماركيز،الذي رحل عن عالمنا عن عمر يناهز 87 عاما، كان ماركيزعبقريا في قدرته علي الانطلاق من قلب الواقع إلي آفاق الخيال، كما قال: 'كانت حكاياتي في معظمها أحداثا بسيطة من الحياة اليومية أجعلها أكثر جاذبية بتفاصيل متخيلة كي يصغي إلي الكبار، وكانت أفضل مصادر إلهامي هي الأحاديث التي يتبادلها الكبار أمامي لأنهم يظنون إنني لا أفهمها فيشفرونها عمدًا كي لا أفهمها لكن الأمر كان خلاف ذلك، كنت امتصها مثل إسفنجة ثم أفككها إلي أجزاء وأقلبها لكي أخفي الأصل، وعندما أرويها للأشخاص أنفسهم الذين رووها تتملكهم الحيرة للتوافق الغريب بين ما أقوله وما يفكرون فيه.
عاش ماركيز ليصنع واقعية سحرية مليئة بالمتعة نابضة بالإنسانية لا يمكن اعتبار سحريتها تهويمات غارقة في الإلغاز ولا يمكن استبعاد تحقق الأساطير والنبوءات فيها، محققًا المعادلة الصعبة التي تتجاوزأساطير ألف ليلة وليلة إلي واقع لا يقل ادهاشا،أغلق المبدع الباب علي نفسه لعامين غيرعابئ بغارات الفقر وثقل الديون علي أسرته الصغيرة، لينضج عملا اختمر علي مدار ستة عشرعامًا صانعًا رائعته 'مائة عام من العزلة'التي حصد بها جائزة نوبل وأطلقت شهرته، فهناك عند النهرالصافي والصخورالمصقولة البيضاء في قرية 'ماكوندو'ذات البيوت التي لم تتجاوزالعشرين المبنية بالطوب النييء ابتدأ جارثيا كل شيء في روايته، حيث ينتهي كل شيء من حيث بدأ وحيث تتعاقب الأجيال لمصير محتوم يوافق الأسطورة، بين أروقة تنتظراختراعات وتسالي الغجر، وبين الحب والخطيئة والتمرد، والحرب والسياسة والموت والمطر والفشل والنجاح في القرية المنعزلة التي صنعها وكتب تاريخها خلال مائةعام، تركنا نصدق بالمعجزات التي يمكن أن تجعل فتاة ترتفع إلي السماء ونندهش لظواهر الفراشات وروائح الزهور وغرائب الطبيعة التي تقترن بأشخاص، لم يكن ماركيز أديبا فحسب بل كان رجل مواقف سياسية، اشتهرعنه قوله: 'من عجائب الدنيا حقا أن يحصل مثل مناحيم بيجن علي جائزة نوبل للسلام تكريما لسياسته الإجرامية، فقد أعطته الجائزة في البداية الغطاء اللازم لأن يذبح، وبسلام وأمان، أكثر من 2000 لاجئا فلسطينيا في المخيمات داخل بيروت عام 1982م' ولذلك لم يكن من الغريب مصادقة ماركيز لرموز الحركات الثورية والمقاومة مثل فيدل كاسترو، والزعيم الفلسطيني الراحل ياسرعرفات، كما تسببت وجهة نظره تجاه الإمبريالية الأمريكية في رفض دخوله إلي الولايات المتحدة حتي تم رفع الحظرعنه بعد انتخاب بيل كلينتون رئيسًا للولايات المتحدة، وأدرك جارثيا أن السياسة الدولية مزدوجة المعايير وهو ما أشار إليه بقوله أصابت الأزمة البولندية أوربا بصدمة جعلتها تترنح من الغضب. وقمت شخصيا بالتوقيع علي عدد كبيرمن البيانات التي تندد باغتيال الحرية في بولندا، وشاركت في الاحتفالية التي أقيمت تكريم البطولة الشعب البولندي بمسرح 'بير ادي بار' تحت رعاية وزارة الثقافة الفرنسية. وعلي العكس من ذلك تمامًا ساد نوع من الصمت الرهيب عندما اجتاحت القوات الشارونية لبنان. علمًا بأن أعداد القتلي أوالمشردين هناك لا تسمح بأي مقارنة مع ماحدث في بولندا' ويضيف 'جارثيا': لاأحد عاني في الحقيقة كالشعب الفلسطيني.. فإلي متي نظل بلا ألسنة؟إنني لم أجد من يومها من يدعوني إلي احتفال ببطولة الشعب الفلسطيني في أي مسرح تحت رعاية أية وزارة ' وأكمل: 'هذا ما يدفعني الآن إلي التوقيع علي 'ذلك البيان'بشكل منفرد، وأن أعلن عن اشمئزازي من المجازر التي ترتكبها يوميا المدرسة الصهيونية الحديثة. إنني أطالب بترشيح أرييل شارون لجائزة نوبل في القتل. سامحوني إذا قلت أيضا إنني أخجل من ارتباط اسمي بجائزة نوبل'.
لقد أحب العرب ماركيز حقًا علي الرغم مما تعرضت له أعماله من تشويه ببعض الترجمات الرديئة المنتشرة علي الأرصفة، وهو ظلم للقارئ والكاتب, صنعه غلاء فاحش للروايات جيدة الترجمة، وعلي الرغم من ذلك فقد ظل ماركيزأسطورة حية في ضمير محبيه وقرائه في العالم العربي وفي شتي بقاع الأرض ليس فقط لأنه كاتب مبدع بل أيضًا لأنه حالة متكاملة من الإبداع والمواقف النبيلة.. حالة تصلح تمامًا لأن تكون رمزًا إنسانيًا عالميًا.
عشت لأروي.. تلك هي خلاصة حياةعريضة لصاحب مائةعام من العزلة، الحب في زمن الكوليرا، وقائع موت معلن، خريف البطريرك، ولا أحد يكتب إلي الكولونيل، وهو في نفس الوقت عنوان السيرة الذاتية لكاتب كولومبيا العظيم الفائز بجائزة نوبل جابريل جارثيا ماركيز،الذي رحل عن عالمنا عن عمر يناهز 87 عاما، كان ماركيزعبقريا في قدرته علي الانطلاق من قلب الواقع إلي آفاق الخيال، كما قال: 'كانت حكاياتي في معظمها أحداثا بسيطة من الحياة اليومية أجعلها أكثر جاذبية بتفاصيل متخيلة كي يصغي إلي الكبار، وكانت أفضل مصادر إلهامي هي الأحاديث التي يتبادلها الكبار أمامي لأنهم يظنون إنني لا أفهمها فيشفرونها عمدًا كي لا أفهمها لكن الأمر كان خلاف ذلك، كنت امتصها مثل إسفنجة ثم أفككها إلي أجزاء وأقلبها لكي أخفي الأصل، وعندما أرويها للأشخاص أنفسهم الذين رووها تتملكهم الحيرة للتوافق الغريب بين ما أقوله وما يفكرون فيه.
عاش ماركيز ليصنع واقعية سحرية مليئة بالمتعة نابضة بالإنسانية لا يمكن اعتبار سحريتها تهويمات غارقة في الإلغاز ولا يمكن استبعاد تحقق الأساطير والنبوءات فيها، محققًا المعادلة الصعبة التي تتجاوزأساطير ألف ليلة وليلة إلي واقع لا يقل ادهاشا،أغلق المبدع الباب علي نفسه لعامين غيرعابئ بغارات الفقر وثقل الديون علي أسرته الصغيرة، لينضج عملا اختمر علي مدار ستة عشرعامًا صانعًا رائعته 'مائة عام من العزلة'التي حصد بها جائزة نوبل وأطلقت شهرته، فهناك عند النهرالصافي والصخورالمصقولة البيضاء في قرية 'ماكوندو'ذات البيوت التي لم تتجاوزالعشرين المبنية بالطوب النييء ابتدأ جارثيا كل شيء في روايته، حيث ينتهي كل شيء من حيث بدأ وحيث تتعاقب الأجيال لمصير محتوم يوافق الأسطورة، بين أروقة تنتظراختراعات وتسالي الغجر، وبين الحب والخطيئة والتمرد، والحرب والسياسة والموت والمطر والفشل والنجاح في القرية المنعزلة التي صنعها وكتب تاريخها خلال مائةعام، تركنا نصدق بالمعجزات التي يمكن أن تجعل فتاة ترتفع إلي السماء ونندهش لظواهر الفراشات وروائح الزهور وغرائب الطبيعة التي تقترن بأشخاص، لم يكن ماركيز أديبا فحسب بل كان رجل مواقف سياسية، اشتهرعنه قوله: 'من عجائب الدنيا حقا أن يحصل مثل مناحيم بيجن علي جائزة نوبل للسلام تكريما لسياسته الإجرامية، فقد أعطته الجائزة في البداية الغطاء اللازم لأن يذبح، وبسلام وأمان، أكثر من 2000 لاجئا فلسطينيا في المخيمات داخل بيروت عام 1982م' ولذلك لم يكن من الغريب مصادقة ماركيز لرموز الحركات الثورية والمقاومة مثل فيدل كاسترو، والزعيم الفلسطيني الراحل ياسرعرفات، كما تسببت وجهة نظره تجاه الإمبريالية الأمريكية في رفض دخوله إلي الولايات المتحدة حتي تم رفع الحظرعنه بعد انتخاب بيل كلينتون رئيسًا للولايات المتحدة، وأدرك جارثيا أن السياسة الدولية مزدوجة المعايير وهو ما أشار إليه بقوله أصابت الأزمة البولندية أوربا بصدمة جعلتها تترنح من الغضب. وقمت شخصيا بالتوقيع علي عدد كبيرمن البيانات التي تندد باغتيال الحرية في بولندا، وشاركت في الاحتفالية التي أقيمت تكريم البطولة الشعب البولندي بمسرح 'بير ادي بار' تحت رعاية وزارة الثقافة الفرنسية. وعلي العكس من ذلك تمامًا ساد نوع من الصمت الرهيب عندما اجتاحت القوات الشارونية لبنان. علمًا بأن أعداد القتلي أوالمشردين هناك لا تسمح بأي مقارنة مع ماحدث في بولندا' ويضيف 'جارثيا': لاأحد عاني في الحقيقة كالشعب الفلسطيني.. فإلي متي نظل بلا ألسنة؟إنني لم أجد من يومها من يدعوني إلي احتفال ببطولة الشعب الفلسطيني في أي مسرح تحت رعاية أية وزارة ' وأكمل: 'هذا ما يدفعني الآن إلي التوقيع علي 'ذلك البيان'بشكل منفرد، وأن أعلن عن اشمئزازي من المجازر التي ترتكبها يوميا المدرسة الصهيونية الحديثة. إنني أطالب بترشيح أرييل شارون لجائزة نوبل في القتل. سامحوني إذا قلت أيضا إنني أخجل من ارتباط اسمي بجائزة نوبل'.
لقد أحب العرب ماركيز حقًا علي الرغم مما تعرضت له أعماله من تشويه ببعض الترجمات الرديئة المنتشرة علي الأرصفة، وهو ظلم للقارئ والكاتب, صنعه غلاء فاحش للروايات جيدة الترجمة، وعلي الرغم من ذلك فقد ظل ماركيزأسطورة حية في ضمير محبيه وقرائه في العالم العربي وفي شتي بقاع الأرض ليس فقط لأنه كاتب مبدع بل أيضًا لأنه حالة متكاملة من الإبداع والمواقف النبيلة.. حالة تصلح تمامًا لأن تكون رمزًا إنسانيًا عالميًا.