الخميس، 22 نوفمبر 2012


 مقالى بالأسبوع الورقى عدد 19 نوفمبر
فى ذكرى الهجرة..هل يتعلم المتاجرون بالشرع كيف يكون الدستور؟!
بقلم:نفيسة عبد الفتاح
عام هجرى جديد،مناسبة تذكرنا ببداية دولة الإسلام الحقيقية،تهل علينا وأمتنا تحت القصف الفعلى والمعنوى لكل أمل كاد يلامس أصابعنا..قصف تتواطأ علينا تحته ظلمات الفرقة وقسوة الظلم وحرقة الدم المهدرعلى طرقات لا تصل بنا إلى الحرية..عام هجرى جديد حاضر أنت فيه ياختام الأنبياء ومكمل بناء الرسالات صلوات الله وسلامه عليك،بينما الأرض التى اتسعت لك لتنطلق مهاجرا للنجاة ونشر الدين وبناء دولة الإسلام تضيق علينا ولا نملك هجرة إلا إلى الله،وحتى هذه لا نملكها إلا بالروح فقط،بعد أن قيدوا أيادينا واستنزفوا عقولنا فى ألف جدل عقيم،وألف معركة وهمية،فصرنا كمن ينسحق دون رحمة بين المغالين فى دينك والمضيعين له،حالنا حال الأمة،نعلن عن حبك ونتمنى لقاءك ونروى سيرتك لكننا لا نعمل بدروسك العظيمة،نأخذ بالقشور ولا نستطيع أن نهب الآخرين ونهب انفسنا حلاوة الفهم،نخاف من الناس أكثر من خوفنا من رب الناس،نضيع منهاجك وننسى أننا آمنا بك وبما أنزل إليك وقلنا سمعنا وأطعنا..ننسى أنك من جاء بالدستور الخالد والأبقى..أنك علمتنا كيف نبنى دولة،ونقيم عدلا،كانت الهجرة سببا فى وضع بنود ذلك الدستور الذى اكتمل بنيانه بتمام الدين والتشريع،أما الآن وبعد مئات الأعوام فإننا نبعد وتتسع الهوة حتى صار البعض يرتعد خوفا من تطبيق منهجك،يهون علينا الدين فيهون كل شىء ونهون على الناس،نضيع بين من ينتمون إليك اسما ومظهرا ويكذبون على الله حقيقة وجوهرا،بينما أنت صلوات الله عليك ياخير البرية ماتركت لنا صغيرة أو كبيرة إلا كنت لنا فيها هاديا،معلما،بشيرا،ونذيرا.
 تعيدنا الذكرى  أيها الصادق الأمين إلى ذلك اليوم الذى جاءك فيه الأمر بترك الوطن الحبيب بعد ثلاثة عشرة عاما من الدعوة المحفوفة بالمخاطر والإيذاء وتعذيب من يعلن أن لا إله إلا الله،وها أنت تعلم القادة والحكام  على مر الزمان درسا عظيما عندما تختار"عبد الله ابن أريقط" دليلا. اخترت رجلا مشركا،لكنه الأبرع،لم تقدم أهل الثقة على أهل العلم بل ضربت لنا أروع مثل فى التخطيط والاختيار الذى يحقق الهدف،تعلم الأمة الأخذ بالأسباب، بالاختفاء فى غار ثور ثلاثة أيام قبل بدء السفر لييأس المشركون من البحث عنك فتمضى فى طريقك مطمئنا،تحدد من يمدك بالزاد ومن يموه على الأعداء ومن يجلب لك الأخبار،تبقى عليا كرم الله وجهه بمكة ليس فقط ليرد الأمانات التى إئتمنك عليها المشركون ولكن  ليقضى الليل فى فراشك لإيهام الكفار المرابضين أمام دارك لقتلك بأنك لم ترحل،ورغم التخطيط لا تعلمنا أن الأسباب وحدها هى سر النجاح ،بل ترينا كيف تكون الثقة بالله جزءا لا يتجزأ من معادلة النجاح،حين قال لك أبو بكر الصديق رضى الله عنه وأنتما فى الغار بينما يقف المشركون على بابه:"لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا" فتجيبه: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟.
رحلة فى سبيل الله حقا جاءت بأول دولة اسلامية..دولة المدينة المنورة التى أصبحت فيها نبيا وحاكما لأغلبية مطلقة مسلمة،رحلة بدأتها برد الأمانات إلى أهلها وإن كانوا كفارا يرغبون فى قتلك،واستهللت إقامتك فى المدينة بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار،فكان اقتسام الأنصارى لماله مع المهاجر هو قمة سخاء النفس،وأول طريق العدالة الاجتماعية التى لا يعرف لها حكام أيامنا هذه سبيلا،حكامنا الذين يتركون الفقير يموت جوعا والغنى يموت تخمة بينما أبسط فروض الدين وهو فرض الزكاة لايؤدى إلى أهله،حكامنا الذين يتشدقون بأنهم إليك منتسبون وعلى طريق تحقيق العدالة والشريعة ماضون.
لقد علمت يامن علمك ربك أن الدول تحتاج الى الدساتير فثبت دعائم مجتمعك الوليد بوثيقة بين المهاجرين والأنصار حددت فيها حقوقهم دون تمييز بين المؤمنين كافة وحددت حقوق وواجبات من خالفوهم فى الدين وأرجعت فيها الحكم إلى الله والرسول،هى أول دستور ملزم فى الإسلام بعد أعوام من الدعوة وتثبيت القلوب وتطهيرها فى مكة،ثم توالى نزول الآيات فى المدينة  بأحكام العبادات والجهاد والزواج والطلاق، والمواريث،والحدود و أنواع المعاملات،وعلاقة الحاكم بالمحكوم،وعلاقة الدولة الإسلامية مع غيرها،هذه الأحكام التى أصبحت ملزمة لكل مسلم بنزول قوله تعالى( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)،أحكام لا يحق لأحد أن يتاجر بها ولا أن يتخذها سلما للوصول إلى مقاعد الحكام ثم يتبرأ من كل وعوده عندما تتحقق الغاية غير النبيلة،أحكام يدرك من أحبوك يارسول الله أن فيها العزة والمنعة والعدل والرحمة،فيها اكتمال الدولة وازدهارها ،أحكام لا حد فيها يطبق دون عدالة كاملة شاملة جعلت خليفة المسلمين أبو بكر الصديق رضى الله عنه  يصر على أن يقتص منه رجل كان الصديق قد ضربه لأنه أغضبه بدخوله عليه دون إذن بينما كان يجهز لتوزيع صدقات الإبل مانعا الدخول،لولا  تدخل ابن الخطاب مخافة أن يصبح  القصاص بضرب الخليفة سنة،فتم إرضاء الرجل براحلة وبضعة دنانير،عدالة طبقها خليفتك عمر بن الخطاب رضى الله عنه حتى خاف أن تتعثر بغلة فى العراق فيسأله ربه لم لم يمهد لها الأرض وهو خليفة المؤمنين،طبقها عمر حين سأل عمرو ابن العاص عندما ولاه على مصر:ﻣﺎﺫﺍ ﺗﻔﻌﻞ إن ﺟﺎﺀﻭﻙ ﺑﺴﺎﺭﻕ؟ﻗﺎﻝ ﻋﻤﺮﻭ: ﻗﻄﻌﺖ ﻳﺪﻩ،ﻓﺮﺩ اﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ:ﺇﺫﺍ ﻓاﻋﻠﻢ ﻳﺎﻋﻤﺮﻭ إﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﺟﺎﺀﻧﻰ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ ﺟﺎﺋﻊ ﺃﻭ ﻋﺎﻃﻞ ﻓﺴﻮﻑ ﺃﻗﻄﻊ ﻳﺪﻙ، ياهذا إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسُدَّ جوعتهم،ونستر عورتهم،ونوفِّر لهم حرفتهم،فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها،إن هذه الأيدي خلقت لتعمل،فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً،فاشغلها في الطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.
هكذا يا رسول الله تطبق حدود الله التى صار المسلمون يخافونها وكأنها الوحشية والهمجية،بينما هى الرحمة والكمال،فلا حد دون كفاية الرعية،ولا تفريط فى محاسبة الحاكم ولا عصمة له إذا تغاضى عن حق المحكوم،هى دولة الإسلام التى لا يقتصر حكم الشرع فيها على الحدود بل هى معاملات مادية ونظام اقتصادى واضح وحقوق كاملة للفرد وللجماعة والتزامات تجاه المسلمين فى شتى بقاع الأرض،حقوق تستلزم عدل لايعترف بالمحاباة لفريق على سائر الأمة ولا ضحك على الذقون بإرهاب الناس من إغلاق محال خمور أو إغلاق محال رقص..عدل حقيقى ودولة حقيقية الرخاء فيها من الكد والعمل والبناء،دولة يلزم لبنائها جهد أكبر بكثير من الخطب الرنانة والكذب المفضوح ..دولة تهب المرأة كامل حقوقها يامن نصرت أم هانىء بنت أبى طالب على أخيها عندما جاءتك فى عام الفتح فقالت : يا رسول الله زعم ابن أمى علىّ أنه قاتل رجل أجرته" أى سيقتل رجل فى حمايتها"،فقلت لها عليك افضل الصلوات: قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء،هكذا ببساطة جعلت فى جوارك من أجارته المرأة ونصرتها على أخيها بل أعليتها فوقه،فلا جوار مثل جوارك أيها الحبيب،دولة لا تترك دم الشهداء ولا أعين المصابين دون قصاص،دولة وامعتصماه..التى حركت الجيوش لترد اعتبارامرأة عربية صرخت بها فى سوق بعمورية عندما لطمها البائع الرومى على وجهها،دولة لا تترك من يغتصبون امرأة أو يسحلونها ويعرونها يفلتون من العقاب..دولة تحفظ لأهل الذمة كل حقوقهم فى وطنهم،ولا تبرىء اللصوص الكبار وتعاقب الصغار،دولة الحلم هى يارسول الله وليست دولة الرعب والفزع كما يشيع أعداء الدين،دولة التقدم التى أنجبت علماء أخذت منهم الدنيا مثل ابن الهيثم وابن النفيس وابن سينا والبيرونى والكندى،دولة الحلم التى أسست لها فى المدينة المنورة والتى فشلنا فى إحيائها رغم حرصنا عليها ورفعنا لولاة أمر فوق أعناقنا لمجرد انهم لوحوا لنا بها..فهل لتحقيق الأمل من سبيل ياخير خلق الله أجمعين؟.             

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق