أبلل قدمى وكأنهما جذورى التى ستسقى سائر جسدى منك . أصالحك بعد طول غياب،هيا اقبل واهمس لى كسابق عهدك،لفنى من جديد بغلالات سحرك واملأ صدرى بعطرك واتخذ من عروقى مجرى آخر لك. اشتقت حكايات العصفور الراقص فوق الغصن هناك،عناق الموج لكفى وأنا أغترف منك لأزيل عن وجهى هموم الدنيا فتخصنى ببعض الأسرار ، رائحة أنفاسك وأنت تجود بدفقات تنبض بالحياة فتروى ظمأ الشاطىء وتجعل ربيعه باقيا مهما تقلب وجه الزمان. هيا حبيبى لا تبخل على فهذه المرة أريد كل الأسرار .
يتعجبون من رقتى وفيضان مشاعرى فأقسم أن سرى أنت . يندهشون لإصرارى وقوة عزيمتى وربما جنونى الخلاق،أو نوبات غضب الحليم التى يحذرونها فتقفز أنت أيضا إلى مقدمة الأسباب.
اصدقنى كما هو عهدى بك .. هل كانت حكايات جدتى التى أبعدتنى عنك حقيقة أم أن جمالك وسحرك هما اللذان جعلا عشاقك ينسجون حولك الأساطير ؟ . يقسم أحدهم أنه كاد أن يسحر ويفقد عقله لولا أنه توقف عن استكمال المسير إلى حافة جنة منبعك. عم سعيد الصياد يقسم أيضا أن الحياة بين أحضانك تغنى عن الدنيا .ضحكنا على خالتى صفية عندما أقسمت أنها رأت فى أعماقك بيوتا وقصورا،تهامسنا بأنها تخاريف الصدمة،كان ذلك يوم جرف التيار جرتها وكادت تغرق وهى تحاول ارجاعها،لولا إنقاذ عم سعيد لها، أما أنا فأرى أن أجمل لحظات الحب تكون على صفحتك وأعمق تهدئة لآلام القلوب تكون أيضا بالاختلاء بالنفس عندك.هل تذكر لى حبيبى أننى لم أكن لأقسو على أسراب صغارك ؟ لا أظنك كنت تغضب من تخابثى بوضع المصفاة الصغيرة بهدوء أسفل صفحتك حتى يمر السرب ثم رفعها بغتة مصطادة له.تعلم أننى كنت دائما ما أعيدها على الفور إلي حضنك الطيب. كانت مجرد شقاوة طفلة تمتع عينيها بلمعان الصغار الفضية المتقافزة تحت ضوء الشمس. آلمتنى كثيرا عندما شكوت لى متوجعا من إغداقك على البشر ومقابلتهم لعطاءاتك بالإساءة،يومها أيضا عاتبتنى بحنو على ابتعادى المفاجىء بينما يداعبنى نسيمك حاملا همسك لى وأنا فى الشرفة. تمنيت لو أستطيع محو دموعك بكفى،لكننى ليلتها خفت الاقتراب منك . كنت مازلت صغيرة وكانت حكايات جدتى هذه المرة عنك قد أثرت فى حقا. بدت وكأنها تؤكد خرافات خالتى صفية التى تهكمنا عليها من قبل،مازلت أذكر القصة كاملة التى حكتها جدتى على أنها حدثت قبل ميلادى بسنوات بعيدة .
يومها أقسمت أنها عاشت عمرها لاتنسى وجه تلك الكلبة الحزينة التى تسللت ذات ليلة إلى فوهة الفرن الطينى فى وسط الدار . أثارت عيناها المسكونة بالألم إشفاق الجميع . تركوها وهم موقنين من قرب موتها وقد رفضت الطعام ليومين رغم كل محاولات إطعامها . فى الليلة الثالثة وفى ضوء مابعد الغروب،ذهبت راضية الخادمة لتملأ الماء،وبينما ترفع الطست النحاسى على رأسها فاجأها الصوت.التفتت لتجد تلك المرأة واقفة على حافة الشاطىء بينما يتدلى شعرها حتى الماء. ارتعدت للحظة وسمرها الخوف مكانها.كان صوت المرأة عميقا سحريا حزينا وهى تطلب من راضية طلبها العجيب،الأعجب أن راضية نفذت ما طلبته منها تلك المرأة حرفياعندما عادت إلى الدار . وقفت فى وسطه على مقربة من الفرن وقالت :
ـــ يانهرية يا بنت قاسم ارجعى لأهلك،أخوك مات الليلة .
تسمرت الكلمات على شفتى جدتى التى أخذت تتهم راضية بالجنون لأنها تكلم الهواء . باغتهما الصراخ حتى كادت هى وراضية أن تموتا رعبا وهما تشاهدان الكلبة تنتفض من فوهة الفرن وتنتصب امرأة جميلة وتخرج صارخة منتحبة باتجاهك.
أرعبتنى القصة،أخافنى أن يكون أحد أسرارك أنك مسكون بالجان فلم أقربك لسنوات طويلة.اكتفيت بمراقبتك من الشرفة،ولكنك مع جفائى لم تبخل على بالإفصاح عن أسرار جديدة . هل تعرف الآن كم أعشقك ؟ لقد ألقيت حقيبتى على فراشى وتركت زوجى فى أحضان الأهل وجئت لأملأ عينى وروحى منك ، فلتتسرب إلى شرايينى ولتسكننى كما سكنتنى طوال سنتين من الغربة . أعرف الآن أن اكتفائى بالنظر إليك كان غباء وأن الحرمان الكامل منك والشوق الجارف لك هما اللذان بددا مخاوفى القديمة .. لم يعد الأمر يهمنى فأنا لا أخاف سكانك حتى وإن كانوا من الجان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق