يمكن للزيف أن يصنع لحظيا الموقف الذى تريده السلطة التى تشعر بضعفها..يمكن
للسلطة ان تسجن المعارض وأن تستخدم الإعلام أو خدامها فى ترويج الأكاذيب،إطلاق
الشائعات،أوالتعتيم على الحقائق..حيل السلطة هى نفسها،لا تتغير..لكن مواقف الرجال
الحقيقية تبقى..بينما تدهش بصائر الشعوب وضمائرها حكامها إذ تظل قادرة على إفساد
كل مايبذلونه من جهد فى تدبير تلك الحيل
*** شيخ الأزهر
مازال الأزهر حصن مصر وملاذ أهلها عند الشدائد..أهلها الذين لن يسمحوا
للخيول مرة ثانية بتدنيس حرمه ولن يقبلوا بالنيل من هيبته،سيذهب فضيلة شيخ الأزهر
الدكتور أحمد الطيب ذات يوم،تاركا التاريخ يحكم على مواقفه،بكل ما أحاط بها من
ملابسات وظروف سياسية،سيتعاقب الشيوخ ويبقى الأزهر إن شاء الله شامخا،لكن التاريخ فى
الظرف الراهن سيسجل لنا أيضا مواقفنا،ليس فقط لأننا،عن وعى،نؤكد التضامن الكامل
والثقة فى كل مااتخذه من مواقف منذ إقرار الدستور وحتى هذه اللحظة،وإنما حفاظاعلى
قيمة الأزهر وشيخه،الرمز والمكانة..حفاظا على الحصن الأخير.
لقد أثبتت حالة التسمم الجماعى للمئات من طلاب الأزهر الشريف أننا فى مصر أم
العجائب، حيث يمكن لجسدك أن يتسمم من وجبة وعندما تنجو من الموت بأعجوبة تكتشف أن
سم طعامك صب فى صالح سم السياسة! بل،وجرى فى مجرى الفساد العفن ليصب فى مستنقع
المصالح الرخيصة والخيانات الكبيرة للوطن!
الحيرة منذ اعلان تسمم مئات الطلاب بالمدينة الجامعية بالأزهر،لم ينهها،تصريح
الدكتور محمد مصطفى حامد، وزير الصحة والسكان،بأن نتيجة الفحص المعملي للمعامل المركزية
لوزارة الصحة،أرجعت حالات التسمم إلى تلوث الغذاء ببكتريا المكورات العنقودية الذهبية،وهو
نفس نوع البكتيريا الذى قيل أنه المتسبب فى تسمم معتصموا مجلس الوزراء فى ديسمبر 2011،وهو مايعنى
أنه لا شبهة فى التسميم المتعمد،رغم ضخامة اعداد المصابين!تلك النتيجة إن
صحت،فقد أصبح الفاعل فى متناول يد العدالة، وذلك بمجرد إجراء الفحوص الطبية على
العاملين فى طهى الأطعمة وتداولها بالمدينة الجامعية،لأنه ووفقا لموقع سلامة
الغذاء الأمريكى فإن الطعام عادة مايتلوث بهذا النوع من البكتيريا بنقلها من الأشخاص
المصابين بها المتداولين للأطعمة،كما يمكن اتهام الدجاج،كأحد مصادر تلك
البكتيريا،حيث تتردد الشائعات بلجوء بعض الموردين إلى تغيير تاريخ الصلاحية على
الدواجن المستوردة منتهية الصلاحية، كأحد تبعات ازمة الدولار،بل ومن الممكن أن
يكون التسمم قد حدث فى وجبة الإفطار لأنه وفقا لنفس الموقع فإن اعراض التسمم تظهر
بعد مدة حضانة البكتيريا فى الجسم التى تبدأ من 1-6 ساعات،وبذلك يكون الفاعل إما
بيضة او دجاجة او عامل مريض،بما يمكن من معرفة موضع الفساد أو الموظف المريض الذى
تركه الإهمال واللامبالاة فى هذا المكان.
ولا تنفى قصة البكتيريا العنقودية استثمار تسمم الطلاب ضد شيخ الأزهر
واتهام عصام العريان الفورى له ثم تراجعه واعلانه أن الشيخ يتحمل المسؤولية
السياسية عن تسمم الطلاب! ثم تقهقره أكثر وإعلانه أن شيخ اﻷزهر مستقل وغير قابل للعزل،
مؤكدا "أن احترام "الأزهر"، وعدم الزج به في الصراعات السياسية واجب،
مطالبا بمعاونة القائمين عليه أيا كانوا"ولا ينبغى أن نمرر تلك المرارة التى
حملتها جملة "أيا كانوا" التى قالها العريان مرور الكرام،فهى مربط الفرس
دون شك ومدعاة للشك والتساؤلات عن ظهور اللافتات الإخوانية الفورية التى بدت سابقة
التجهيز لتطالب بإقالة الشيخ!وعن زيارة الرئيس للطلبة المصابين وهو مالم يفعله مع
أسر شهداء قطار الصعيد من أطفال الأزهر أو غيرها من الحوادث الجسام التى مرت على
مصر منذ توليه المسؤولية،إضافة إلى تلك الحملة الشرسة التى شنها الإخوان على
مواقعهم مطالبين بإقالة الشيخ الذين دعموا استقلاله وغير قابليته للعزل!،إن المتأمل
لتصريحات العريان سيرى بوضوح انه "أبدى الاحترام لكيان الأزهر دون
شيخه،مكتفيا بتقرير ضرورة التعاون مع القائمين عليه أيا كانوا،وهو أمر لم يغب عن فطنة المصرى،المصرى الذى أحب الشيخ
القرضاوى ورفعه إلى عنان السماء ذات يوم ثم توالت الإشارات والفتاوى التى غيرت تماما
من نظرته له،هو نفس المصرى الذى التف الآن بكل حميمية وثقة وقوة حول الشيخ الطيب
متيقنا من أن الدين والوطن فى آمان بين يديه رغم كل مايثار عن مواقف الشيخ السابقة.
المشهد العبثى لم يولد من فراغ،فرائحة قانون الصكوك المشبوه تزكم الأنوف،القانون الذى تفنن واضعوه
فى الإلتفاف على أصول الدولة غير الرابحة،الذى يفتح الباب لمصادرة اموال حملة الصكوك،ويصنع هيئة شرعية ملاكى بعيدة عن
هيئة كبار العلماء،بينما تلتصق ببنوده المختلفة كلمة "شرعية" والشرع
منها براء و هو ما بح صوتنا على صفحات الأسبوع فى تفنيده بالأدلة الشرعية وأراء
المختصين، وهو مادعى كبار علماء الأزهر ممن لا يزايدون على دينهم إلى اتخاذ موقفا صارما أعلنه الشيخ الطيب فى كل
مرة من مرات عرض القانون على هيئة كبار العلماء بداية من نسخة وزارة المالية وحتى
النسخة الأخيرة التى قررت الدولة تجاهل الأزهر وتمريرها بدونه!وإذا كان الشيخ لم
يهادن فى صكوك بيع مصر فهو أيضا لم يهادن مع الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد الذى زار
الأزهر رافعا علامات النصر فبين الشيخ فى كلمته ماينبغى أن تكون عليه العلاقات بين
مصر السنية وإيران الشيعية موضحا الحدود التى عليهم أن يلتزموا بها ومطالبا بحقوق
المواطن الإيرانى السنى فى بلده ومؤكدا أننا دولة لا تقبل سب الصحابة وأمهات المؤمنين
رضوان الله عليهم او التدخل فى شؤوننا،وهى أمور لا ينبغى إغفالها وسط أمنيات
الإخوان بأن تصب إيران بمصر أنهار السمن والعسل..وهو موضع آخر من مواضع خلاف
الإخوان مع الشيخ ناسين أنهم من صنعوا الدستور الذى جعل الشيخ غير قابل للعزل على
لضمان عدم انهيار تأسيسية الدستور بانسحاب الأزهر والكنيسة معا،فإذا بالمكر السىء
لايحيق إلا بأهله وهو كلام بينتة مسجلة للشيخ ياسر برهامى الذى فضح كواليس الدستور
مؤكدا كل ماسبق ومضيفا انه تم وضع جمل فقهية معينة لم يفهمها ال36 الذين وقعوا
عليها وعندما فهموها قالوا انها كارثية وذلك فى نفس الورقة التى وضع بها أن شيخ
الأزهر غير قابل للعزل مؤكدا أنه فيما بعد يمكن تحديد سن قانونية لانتهاء ولاية
شيخ الأزهر كالقرارات التى تمت مع النائب العام"أى يمكن اقالته بنفس
الطريقة"،باختصار انقلب السحر على الساحر،فى التوقيت الذى تنهار فيه شعبية الإخوان
وتسقط أبواقهم الدعائية،يتشبث الشعب أكثر واكثر بشيخه وكأن مادة الدستور التى كانت
محل الاعتراضات،ماهى إلا مادة وضعتها يد القدرة الإلهية وليست أياديهم لتصبح طوق
النجاة من أخونة الأزهر أو تمرير أطماع جنونية فى مصر المحفوظة رغم كيد الكائدين
والبكتريا العنقودية سيئة السمعة.
*** جهاد المناكحة:
لا تختلف حكاية جهاد المناكحة عن قصص التلفيق لتحقيق اهداف خبيثة فما أن
اعلن فى تونس عن فتوى مجهولة المصدر بجواز جهاد المناكحة بأن تجاهد الفتيات
بالذهاب إلى الثوار فى سوريا والزواج لمدد قصيرة بمن يريد "تصل إلى ساعة
واحدة" ما أن اعلن عن تلك الفتوى حتى اصبحت شغل وسائل الإعلام الشاغل وروج لقصص
لا يقبلها عقل حول هروب فتاة من بيت اسرتها لدعم المقاومة بهذه الطريقة وحول تطليق
رجل لزوجته لتذهب فى هذا الواجب الوطنى الشرعى،وحول سفر 13 تونسية لهذا الغرض،وقد
يندهش القارىء إذا ما قلنا ان البحث الدقيق فى تلك القصص أثبت تلفيقها فالفتاة
التى قبل انها هربت عادت إلى اسرتها وتم التعتيم الكامل على عودتها وصور الفتيات
التونسيات التى عرضت اثناء إذاعة خبر سفرهن للمناكحة ثبت انها لأفغانيات لاعلاقة
لهن بسوريا من الأساس،حتى قصة اللاجئة السورية التى قيل أنها احرقت نفسها في مخيم في تركيا بعد
تعرضها للاغتصاب هي وبناتها الثلاث من قبل أكثر من عشرين مسلحاً أفغانيا وسوريا ومن
دول اخرى باسم "جهاد النكاح"هى قصة إن صحت لا علاقة لها بالفتوى وإن
كانت تشوه تماما من يقومون بأعمال قتالية ضد النظام السورى،فالفتوى تبيح الزواج
بالإيجاب والقبول وليس الاغتصاب عنوة،والفتوى بنيت على فكرة زواج المتعة المحدد
بوقت الذى يبيحه المذهب الشيعى بزعم أنه حرم فقط أثناء خلافة عمر بن الخطاب رضى
الله عنه،بينما يحرمه تماما المذهب السنى، ويستدل على التحريم بالقرآن والسنة ،ومن
ذلك: ماروى عن سَـبُرة الجهني "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح
حين دخلنا مكة ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها" رواه مسلم.
وعنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وقال: (ألا إنها حرام
من يومكم هذا إلى يوم القيامة، ومن كان أعطى شيئاً فلا يأخذه) رواه مسلم.إلى غير
ذلك من الأدلة والأحاديث،التى توافق العقل لمايسببه هذا النوع من الزواج من عدم
الاستقرار وتحويل المرأة إلى مجرد وسيلة للإمتاع
محرومة من الإرث ومن كافة الحقوق دون اى مسؤولية على الرجل..نحن إذن امام
تلفيق لا يمكن أن يقبل العقل إلصاقه بعالم سنى،بينما المنسوب له التلفيق تارة يكون
سلفيا مجهولا وتارة أخرى يكون الشيخ محمد
العريفى الذى نفى صلته بتلك الفتاوى جملة وتفصيلا
وكانت قد نسبت له من قبل فتوى أخرى زائفة تجيز ممارسة الفاحشة بين
المجاهدين إذا كان الهدف إجراء عملية انتحارية بشكل ما،نترفع عن الخوض فى تفاصيله،
نحن إذن امام معول هدم آخر يمسك به صاحب المصلحة فى تشويه خصمه باستنفار المشاعر
الدينية لخدمة أغراضه الخبيثة..معول هدم لايحمل
لافتات صريحة كتلك التى رفعت ضد شيخ
الأزهر ..وإنما يستخدم القدرات الأكثر ذكاء لتحويل الشائعة إلى مايشبه الحقيقة عبر
الفضائيات والصحف المدفوعة.
***العقاد ومقاومة الاستبداد
المفكرالعملاق عباس محمود العقاد هو مفكر جاهد بعقله ونفسه، حاولوا
التعتيم عليه دون جدوى،لقد استمر الإعلام الرسمى فى التعتيم على سيرة الرجل على
مدار سنوات طويلة من حكم الرئيس السابق محمد حسنى مبارك،فتم إلغاء تدريس العبقريات
فى المرحلة الثانوية ،واقتصر الاحتفال به على مدينته اسوان أو ربما من حين لآخر مؤتمر
فى أضيق الحدود بالمجلس الأعلى للثقافة،والحقيقة ان القمم الفكرية بشكل
عام"باستثناء أديب نوبل نجيب محفوظ"لم تكن ذات حظ إعلامى فى زمن أنصاف
الموهوبين الذىن استأنستهم حظيرة الثقافة الرسمية،،لكن العقاد تحديدا كانت له خصوصية،وهو
دورمارسه الإعلام ويمارسه دائما بشكل ممنهج لصالح أهواء السلطة،فالعقاد بكل ماله
من خصوصية كمفكر مقاوم للإستبداد ثائر بطبعه ومحرض على الثورة،وواحد من أهم
المفكرين الذين قدموا للمكتبة الإسلامية كتبا من أعظم ماكتب عن الإسلام ورجاله،كان
من الطبيعى أن يتجاهله عصر كان معاديا لكل ماهو إسلامى أو محرض على الثورة.
لقد جاءت احتفالية العقاد ومقاومة الاستبداد بمناسبة 49 عاما على رحيله،والتى
أقامتها هيئة قصور الثقافة وافتتحها اللواء مصطفى السيد محافظ أسوان و الشاعر سعد عبد الرحمن رئيس الهيئة بحضور نخبة من المفكرين والمبدعين،كبشرى
لإعادة العقاد إلى خارطة الاحتفاليات الحقيقة،ولتعيد إلى الأذهان تاريخ الرجل
المجيد فى المقاومة وكمفكر إسلامى من الطراز الأول،فتبارت الأبحاث القيمة فى إظهار
صورة الرجل الحقيقية كبطل من أبطال معركة دستور 1923 الذى وقف تحت قبة البرلمان
هاتفا ضد الملك فؤاد الذى حاول العبث بالدستور" اننا على استعداد لأن نحطم أكبر رأس فى البلاد تقف حائلا دون مضى البرلمان فى عمله او تحاول المساس بالدستورسيد
القوانين"،ولأنه ما اشبه الليلة بالبارحة فقد وجهت للعقاد بمجرد تعطيل
الدستور وزوال حصانته البرلمانية تهمة العيب فى الذات الملكية وسجن تسعة اشهر
كاملة،وهو ما أوضحه الدكتور عبد المنعم الجميعى فى بحثه القيم "عباس العقاد
ومعركة الدستور" وتنوعت الأبحاث مشيرة إلى معانى الحرية عند العقاد كما فى
بحث الدكتور زين عبد الهادى"العقاد..وجوه متعددة للحرية" الذى يلخص لنا
مفهوم حرية الوطن عند العقاد بأن العقاد اخرج لنا أفكارا جديدة لمفهوم الحرية وذلك
استنادا على مقولته"..واما الثائرون فكانت مشيئة الشعب عندهم هى قوام الحكم
وسنده الذى لاسند غيره،فمشيئة الشعب من مشيئة الله ،وعلى الملوك ان تطيع شعوبها
وتعمل على رضاها وإلا فهم الخارجون على سلطان الأرض والسماء" وكما يؤكد
الباحث احمد الطماوى فى بحثه عن العقاد"عاشق الحرية"فإن العقاد كحارس
لدستور 23 استمر دون مهادنة فى الهجوم على
اسماعيل صدقى باشا فى جريدة المؤيد وذلك
بعد توقفه عن الكتابة فى "كوكب الشرق" كما هاجم من قبله زيور باشا
ووزارة محمد محمودمؤتمر فكر. ويؤكد الطماوى على موقف العقاد المؤازر للحريات وان
اختلف تماما فى المنهج مع من يؤازرهم من خلال موقفه الداعم لطه حسين فى محنة كتابه
" فى الشعر الجاهلى" كتأكيد على دور العقاد فى مقاومة كل ما هو سالب
لحرية الفكر والتنوير.. إن من يقرأ العبقريات وغيرها من كتب العقاد وبخاصة الإسلامية
يكتشف هذا العقل الجبار الذى استطاع إبراز مكنون الشخصيات الإسلامية والتاريخ
الإسلامى،ولا تخفى عليه شخصية العقاد التى قالت عنها الدكتورة ثناء انس الوجود فى
قراءتها النقدية لكتاب العقاد"المراة فى القرآن"أن العقاد لم يكن شيخا
للإسلام أو مفتيا ولم يكن كذلك من مفسرى القرآن يتأول فيه كما يشاء ..وتشهد كتبه
الأخرى بصرامته وإخضاعه الشخصيات التى كتب
عنها عبقرياته مثلا للتشدد والفحص الدقيق للحسنات والسيئات"
واخيرا..عباس محمود العقاد..الشيخ الطيب..المقاومة..
وجوه مختلفة بآليات مختلفة..لكن السلطة الباطشة لا تختلف وإن اختلفت
الأزمنة