الثلاثاء، 17 يوليو 2012

جريدة الأسبوع | اللهم بلغنا رمضان | نفيسة عبد الفتاح

جريدة الأسبوع | اللهم بلغنا رمضان | نفيسة عبد الفتاح

Bookmark and Share
اللهم بلغنا رمضان
العدد 792 - السنة الـ - الثلاثاء 17/7/2012
نفيسة عبد الفتاح
نفيسة عبد الفتاح
نفيسة عبد الفتاح
رمضان كريم.. كل عام ومصر والأمة الإسلامية كلها بخير وحرية وعزة ومنعة، كل عام والأمل في رحمة لله يجدد طاقة المجتهدين في الطاعة إلي مزيد منها، والمتكاسلين عنها إلي انتفاضة علي طريق العمل الصالح، ويبعث الروح في العصاة للعودة إلي طريق الحق والخير والجمال.. أيام قليلة ويهل هلال الشهر المبارك، شهر الصيام الذي تكتمل به ثالث أركان إسلامنا، نجوع نهاره لتصفو الروح، ونقوم ليله لنغذيها بخير الزاد، تقوي لله، شهر نزول القرآن، والتعبد بتلاوته، شهر بلوغه أمل، يستعد له الصالحون بالدعاء، فيسألون لله تعالي ستة أشهر قبل قدومه أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر بعد رحيله أن يتقبل منهم طاعتهم في هذا الشهر الكريم، دعاؤهم: اللهم سلمنا إلي رمضان وسلم لنا رمضان، وتسلمه منا متقبلا، اللهم بلغنا رمضان، اللهم أعنا علي صيامه وقيامه واجعلنا من الفائزين بليلة القدر في العشر الأواخر.

يهل رمضان هذا العام ونحن احوج ما نكون إلي أيامه، هديه، روحه، قلوبنا في أمس الحاجة إلي هدنة وأرواحنا بحاجة بنفس القدر من الضرورة إلي السكينة والتحليق بعيدا.. تعبنا، تعبنا.. فإلي هدنة صفاء وليالي قرآن ودعاء وذكر وتسبيح وتراويح.. فلنفتح صدورنا لنسائم من الجنة، ولنجعلها أياما بلا غضب أو صخب.. فلنجعله فرصتنا للتزود لأيامنا القادمة، فنحن أحوج مانكون حقا لهذا الزاد.

دعوة للمقاطعة
لا ندري من كان صاحب ضربة البداية لتحويل الشهر الكريم إلي مباراة مسلسلات وفوازير وفنون شعبية وأمسيات وخيمات رمضانية، مباراة إفساد وإهدار للوقت في شهر التقوي والعبادة، يتباري الجميع لمحو هوية الشهر، قد نفهم حسابات التجار من مرتزقة الفضائيات الذين يعلنون ليلا نهارا وحصريا عن كم من المسلسلات تحتاج إلي الليل والنهار كاملين لمتابعتها، لكننا لا نفهم ما تقوم به وزارة الثقافة المصرية منذ سنوات، من وضع برامج للفنون الشعبية والأمسيات السينمائية وغيرها، والحقيقة أن الفن المجاني يصل للجميع راغبين أو مرغمين، والإلهاء عن العبادة صار مسلكا طبيعيا وكأنه إحدي اولويات الحكومات المتعاقبة، من قال للسادة المسئولين إن الفنون الشعبية تصلح لسهرات رمضان، دون شك لا اعتراض علي الأمسيات الثقافية وليالي الإنشاد الديني، ومعارض الحرف التقليدية والفنون التشكيلية ومعارض الكتاب والأمسيات الدينية، لكنه شهر واحد ياعباد الله، فكيف تكون التراويح تصلي في مسجد الحسين وفي الجامع الأزهر وحفلات الغناء التي يتم الرقص علي ايقاعها تقام في القلعة بينما فرق الفنون الشعبية ترقص في شوارع القاهرة التاريخية وفي الساحات في كل المحافظات، اذا كانت الفضائيات تتاجر بالشهر فكيف تعتبره وزارتنا فرصة لإظهار منتجاتها الفنية التي لا تتفق مع روحه، لا أقول هذا من فراغ فقد تم الإعلان عن استمرار العروض الفنية لقطاع الفنون الشعبية للموسم الصيفي في رمضان بمسرح البالون والسيرك القومي، كما تم الإعلان عن إقامة ليالٍ سينمائية بالمركز القومي للسينما، بالاضافة لبدء فعاليات الموسم الفني المستقل الأول الذي يقيمه قطاع الانتاج الثقافي بالتعاون مع جمعية شباب المستقلين والذي يستمر لمدة خمسة أشهر في جميع المجالات ولقلعة صلاح الدين نصيبها الوافر من الحفلات المجانية إضافة إلي العروض في الساحات والمناطق المكشوفة في القاهرة والأقاليم، فمتي نفيق علي ما يجب وما لا يجب، لسنا هنا بصدد الحديث عن الحل والحرمة، فلسنا من أهل الإفتاء، وإنما نتحدث عن جلال الشهر وصحيح الحديث بشأنه وواجبات المسلم فيه.

شهر الروح
هو شهر الروح الذي يجب أن نترك له كل شيء من الدنيا إلا العمل الذي منه رزقنا الحلال، هذا العمل الذي إذا اخلصنا فيه واتقينا لله خرجت عبادتنا لله إلي التطبيق العملي للمعني الحرفي لمقولة إن العمل عبادة، وفي شهر القرآن لا يجب ان يلهينا شيءعن كل مايقربنا إلي لله، هو شهر حصد الخيرات واغتنام الفرص، فكيف يشغلنا عن لله شاغل وكيف تلهينا عن عبادته دنيا، والجائزة الكبري تنتظر، وأسباب الطاعة مهيأة لقوله صلي لله عليه وسلم 'إذا دخل رمضان فُتحت أبواب الجنة، وغُلقت أبواب النار، وسلسلت الشياطين' هو شهر صلة الأرحام وزكاة الفطر وإطعام المسكين وقيام الليل، مافاتك طوال العام يضيء لك هلال رمضان معلنا انه قد فاتك وما كان يجب أن يفوتك، فعد أيها الغافل واشدد علي نفسك التي تاهت في دروب دنيا لن تغني عنك من لله شيئا، ففي صحيح مسلم عن رسول لله صلي لله عليه وسلم 'الصلوات الخمس والجمعة الي الجمعة، ورمضان الي رمضان، مكفرات لما بينهن ما أجتنبت الكبائر' وهكذا يعلن لك مطلع الشهر الكريم أنك قد أظلتك أيام إذا اخلصت لله فيها يعيدك الي الدرب الجميل، ويضاعف لك فيها الحسنات، قد تخرج منها مغفورا لك لتبدأ صفحة جديدة بعهد مع لله أنك لن تعود إلي خطيئة بلا توبة أو إلي معصية متعمدة، فيزيدك لباقي العام بطاقة خلاقة تفتح لك أبواب العطاء المستمر والطاعة غير المشوبة بالرياء، تصوم عن الأكل والشرب ولذة الجسد، ولا عذر لك إذا لم يكن لك عذر حقيقي لقوله صلي لله عليه وسلم 'من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة رخَّصها لله له لم يقض عنه صيام الدهر كله وإن صامه' هو صوم عن الحلال، لا يجوز معه ارتكاب الحرام فكف الجوارح عن أذي الناس جزء لا يتجزأ من معني الصيام، وإلا صمنا عن الحلال وأذهب الحرام فضل هذا الصيام وخرجنا من الشهر بالخسران، فإذا كانت الصلاة تقوم بتزكية النفس، فبالصوم يحصل صفاء الروح وتتجلي الأنوار الربانية علي القلب. ولا تعني تزكية النفس إلا ان العبد يصير بصلاته في معزل عن شهوات النفس الأمارة، وبالصوم تقوي الإرادة وتنفطم النفس عن الهوي وتتعلم ألا تطاع فتربي وتترقي علها تصل إلي درجة النفس المطمئة وهي اعلي درجات النفس التي ترجع إلي ربها راضية مرضية.

رمضان والقرآن
رمضان هو شهر القرآن 'شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًي لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَي وَالْفُرْقَانِ البقرة: 185'.. وكان جبريل عليه السلام يدارس فيه رسول لله القرآن، فالقرآن ورمضان بينهما علاقة حميمة تجعل التعبد بالقرآن في رمضان خصوصية. وكانت السيدة عائشة رضي لله عنها تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان فإذا طلعت الشمس نامت، وإذا كان علينا ان نقتدي بالصالحين وعلماء المسلمين رضي لله عنهم جميعا في رمضان، فسنجد في كتاب 'لطائف المعارف' أن الزهري كان إذا دخل رمضان يقول: إنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام، وأن مالك كان إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالس أهل العلم، ويقبل علي تلاوة القرآن من المصحف وان قتادةُ كان يختم القرآن في كل سبع ليالٍ دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأخير منه في كلّ ليلة، وكان أيضًا يدرس القرآن في شهر رمضان. وكان إبراهيم النخعي يختم القرآن في رمضان في كلّ ثلاث ليال، وفي العشر الأواخر في كل ليلتين وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان، ترك جميع العبادة، وأقبل علي قراءة القرآن، وكان الأسود يقرأ القرآن كله في ليلتين في جميع الشهر، وفي إغاثة اللهفان قال ذو النورين عثمان بن عفان: لو طهرت قلوبنا، لما شبعت من كلام لله، وهي إشارة إلي أن ما نتطهر به بصوم الجوارح وتنقية الروح والقلب يجعلنا أكثر قوة ورغبة ومثابرة علي قراءة القرآن في الشهر الكريم.

ويربط بين القرآن والصيام حديث النبي صلي لله عليه وسلم 'الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته من الطعام والشراب فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعته من النوم بالليل فشفِّعني فيه، قال: فيشفعان'.

لقد كان رسول لله صلي لله عليه وسلم يبشّر أصحابه بقدوم رمضان ويدعوهم للفرح بهلاله فيقول: جاء شهر رمضان بالبركات فمرحباً به من زائر وآت، وورد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول صلي لله عليه وسلم قال: أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم لله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، ينظر لله تعالي إلي تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا لله من أنفسكم خيراً فإن الشقيَّ مَنْ حُرم فيه رحمة لله.

وتكاد منزلة الصوم تضاهي منزلة الحج الأكبر في غفران الذنوب وهو ما يشير إليه حديث رسول لله صلي لله عليه وسلم: 'إن لله فرض عليكم صيام رمضان، وسن لكم قيامه، فمن صامه إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه' وهو جزاء عظيم لا يمكن الوصول إليه إلا بصحيح الصوم وصحيح الصوم ليس بالعمل الهين، وهو مايشير اليه رسول لله صلي لله عليه وسلم في قوله 'من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه'.

وهذه دعوتنا مع بداية الشهر الكريم الذي سيظلنا ببركته بعد ايام قليلة، دعوة لأن نصوم حقا، وان نجتهد صدقا، وان نريح القلوب، لنحصد الخير كله، هي دعوة للرحمة والشفاء والنقاء.. أعاده لله علينا جميعا بالخير والبركة والسعادة والرضا والطاعة والمحبة.. آمين.